سر نجاح الأمة المدارس في فنلندا

تعرف على نقاط القوة وأبرز السمات التي تُميِّز نظام التعليم في فنلندا، المشهور عالميًّا والحاصل على تقدير دوليّ.

لقد جذب أنظار العالم بأكمله النجاح المتكرر الذي حققه طلاب فنلنديون في الخامسة عشرة من عمرهم في دراسات بيسا (برنامج تقييم الطلاب الدوليّ)، التي تنظمها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).

مرحى للتعليم: أُطلق على كتاب اللغة والأدب الفنلنديّ المدرسيّ هذا اسم الأديب الشهير ألكسيس كيفي (1834 - 1872).صورة: ليتيكوفا

مرحى للتعليم: أُطلق على كتاب اللغة والأدب الفنلنديّ المدرسيّ هذا اسم الأديب الشهير ألكسيس كيفي (1834 – 1872).صورة: ليتيكوفا.صورة Lehtikuva

تعليم مجانيّ موحد للجميع

تتجلى أهم نقاط القوة التي تُميِّز نظام التعليم في فنلندا في قدرته على ضمان نفس فرص التعليم للجميع، بغض النظر عن الخلفية الاجتماعية أو الاقتصادية. فبدلاً من التنافس والمقارنات، تركز المدرسة بوجه عام على دعم الطلاب وإرشادهم على المستوى الفرديّ.

كما أن المعلمين مدربون تدريبًا رفيع المستوى، حيث يتطلب التدريس في جميع المراحل التعليمية حصول المعلم على درجة الماجستير، بالإضافة إلى دراسات موسعة في العلوم التربوية والمواد الدراسية. وبالطبع تحظى مهنة المعلم بتقدير بالغ.

Education and schools in Finland

تشجع المدارس الفنلندية طلابها على الاعتماد على أنفسهم في التفكير والمذاكرة وعمل الأبحاث.صورة: وزارة التعليم والثقافة/ ل. تاكالا

يقوم معلم واحد بتدريس معظم المواد الدراسية للتلاميذ الصغار مما يوفر لهم الدعم النفسيّ والشعور بالأمان. كما ينبغي أن يضمن المعلم خلو الفصل الدراسيّ من كافة أشكال التمييز والتحرش. ولا يبدأ تقييم التعلم من خلال الدرجات حتى يصل التلميذ إلى الصف الدراسيّ الخامس. تتسم العلاقة بين المعلم والطلاب بالألفة والهدوء، كما يعتمد التحفيز على التشجيع أكثر منه على العقاب.

بعد التخرج من المدرسة الشاملة، يصبح لدى كافة الطلاب الفرصة للتركيز على التعليم العام والمهنيّ طبقًا لميول كل منهم. كما يستطيع الفنلنديون الاستمرار في الدراسة بطرق شتى في جميع مراحل حياتهم. هذا، ويحمل 25% من الفنلنديين شهادات جامعية، أو شهادات من المعاهد متعددة الفنون، ينتمي 36% منهم إلى الفئة العمرية التي تتراوح بين 25 و34 عامًا.

التعليم مجانيّ في جميع مراحله من الروضة وحتى الجامعة. ويضمن استثمار عوائد الضرائب في تمويل التعليم جودة التعليم وتكافؤ الفرص للجميع.

بيسا (PISA): الشباب الفنلنديّ على القمة

فنلندا في التصنيفات

2012

2009

2006

2003

إجادة القراءة
الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) 3 2 2 1
جميع المشاركين 6 3 2 1
إجادة الرياضيات
الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) 6 2 1 1
جميع المشاركين 12 6 2 2
إجادة العلوم
الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) 2 1 1 1
جميع المشاركين 5 2 1 1
حل المشكلات
الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) 4 2
جميع المشاركين 9 2

تحتل فنلندا مركز الصدارة، أو أحد المراكز الأولى، في كافة دراسات بيسا (PISA)، والتي تنظمها منظمة التعاون الاقتصاديّ والتنمية (OECD) كل ثلاثة أعوام منذ عام 2000. ويقيس برنامج بيسا (PISA)قدرات الطلاب البالغين 15 عامًا من العمر في إجادة الرياضيات والعلوم والقراءة. ومن الجدير بالملاحظة أن الفروق بين الحاصلين على أعلى الدرجات والحاصلين على أقلها، من بين الطلاب الفنلنديين، ضئيلة، وأن مستويات القدرات عالية في جميع أنواع المدارس.

“التعليم سر الأمان بالنسبة إلى الأمم الصغيرة”*

*يوهان فيلهلم سلنمان (1806 – 1881), فيلسوف وعالم وصحفيّ ورجل سياسة لعب دورًا مهمًّا ومؤثرًا في تكوين الهوية القومية الفنلندية.

Finnish children start school the autumn of the calendar year that they turn seven. This gives them a longer time to play, use their imaginations and develop secure attachment before attending school.

يلتحق الأطفال الفنلنديون بالمدرسة في خريف العام الذي يبلغون فيه السابعة من عمرهم. ويسمح لهم ذلك باللعب وتنمية خيالهم والتمتع بالارتباط الآمن لفترة طويلة قبل الالتحاق بالمدرسة
صورة: أماندا سويلا

في عالمنا الحديث، يشكل المواطنون المتعلمون المهرة عنصر الأمان في نجاح أي بلد وتقدمها. وقد كان تقدم المجتمع الفنلنديّ إلى الصفوف الأولى بين أغنى دول العالم خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ثمرة سعي مواطنيها للحصول على التعليم العام، ولاستثمار الدولة في مجال التعليم كذلك.

ومنذ بداية القرن التاسع عشر، ألقت القرارات العليا البذور الأولى لنجاح نظام التعليم بصفة مستمرة. فقد قررت فنلندا توفير التعليم للأمة بأسرها. وبهذه الطريقة، تجنبت الدولة غياب المساواة الاجتماعية بين الصفوة المتعلمة والطبقة الدنيا من غير المتعلمين. كما أسهمت رغبة المواطنين في التعلم في ترسيخ الإيمان بالتعليم. فصار من المتوقع أن يظل الفنلنديون على اطلاع دائم على مجموعة كبيرة من القضايا والاهتمامات المجتمعية.

حل المشكلات العالمية من خلال التعليم

يتطلب إيجاد حلول للتحديات التي يواجهها المجتمع – مثل تغير المناخ، وتذبذب الاقتصاد العالميّ، وارتفاع عدد كبار السن، ومخاطر التكنولوجيا الحديثة، والأوبئة، والهجرة الجماعية – تغييرات في أسلوب الحياة وأنواعًا جديدة من النشاط. ففي فنلندا، كما في جميع أنحاء العالم، يؤدي تدفق أنهار من المعلومات وحركة البشر إلى ظهور تحديات جديدة تواجه التعليم التقليدي. ومهما كان نظام التعليم قويًّا، فإنه يحتاج إلى تطوير وتجديد مستمر حتى يظل ناجحًا. كلما ارتفع مستوى تعليم أي أمة، زادت قدراتها على مواجهة التحديات المعقدة التي يتسم بها عالمنا الحديث.

التعليم هو حجر الزاوية في بناء الديمقراطية والمجتمع الحديث

يقول يورما كوبينن مدير التعليم العامّ بالمجلس الوطنيّ الفنلنديّ للتعليم: “يدعم المستوى الرفيع الذي يتميز به نظام المدارس الفنلندية إيمانًا قوميًّا راسخًا بأن الشعب هو أهم مورد من موارد الأمة، وله الحق في الحصول على تعليم رفيع المستوى”.

اليوم الدراسيّ في فنلندا أقصر منه في أي دولة أخرى من أعضاء منظمة التعاون الاقتصاديّ والتنمية (OECD)، غير أنه يُستثمر بصورة فعالة.صورة: وزارة التعليم والثقافة/ ليسا تاكالا

يتم إنفاق ما بين 11 و12% من الميزانية العامة للدولة وميزانيات البلديات الفنلندية على التعليم. وتغطي تلك النسبة التعليم المجانيّ قبل المدرسيّ، والتعليم الأساسيّ، والتعليم الثانويّ، والتعليم الفنيّ، والتعليم العالي، والتعليم المستمر، والدراسات العليا، كما تموِّل بصورة جزئية التعليم الحرّ للكبار. ويشكل هذا بدوره العمود الفقريّ للتعلم المستمر مدى الحياة، المتاح لجميع مَن يعيشون في فنلندا.

ويقول كوبينن: “ارتبط إنشاء نظام المدارس الابتدائية بصحوة في الوعي الوطنيّ القويّ، إذ كانت الأمة في أمس الحاجة إلى مواطنين متعلمين ومطلعين وإلى ثقافة أدبية”.

وقد كانت هناك مدارس ابتدائية في معظم البلديات الفنلندية في أوائل القرن العشرين. كما وُضع قانون التعليم المدرسيّ الإلزاميّ في حيز التنفيذ في عام 1921، والذي ينص على أن يكمل جميع الأطفال 6 أعوام على الأقل من التعليم الإلزاميّ.

ثم جاءت نقطة تحول كبرى في سبعينيات القرن العشرين، عندما تم استبدال التعليم الابتدائيّ والثانويّ بمدارس شاملة في البلديات يستمر التعليم فيها لمدة تسع سنوات، ومن ثَمَّ تم
تمديد التعليم الإلزاميّ لتسعة أعوام. وقد تَمثَّل هدف الإصلاح الخاص بالمدارس الشاملة في ضمان التعليم الأساسيّ المجانيّ والموحد لجميع الأطفال، بغض النظر عن محل إقامة أسرهم وأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.

اللعب والرعاية يعدّان الأطفال للمدرسة

يبدأ التعليم المدرسيّ في فنلندا في سن متأخرة نسبيًّا، أي في السنة السابعة من العمر. فطبقًا للخبرة التربوية الفنلندية، يحتاج الأطفال إلى وقت ومساحة للنمو والتطور. يشغل التعلم مرحلة حساسة من حياة الأطفال ويشجعهم على التعليم والإبداع. وفي خلال السنوات الأولى من التعليم، يحصل الوالدان على معلومات شفهية بخصوص أداء الطفل ومستواه في المدرسة.

أما في الطفولة المبكرة، فيستمتع الأطفال برعاية والديهم واهتمامهم بهم. كما يشارك الأطفال في أنشطة جماعية في مراكز الرعاية النهارية، مثل اللعب وممارسة الرياضة والأنشطة التي تمارَس في الأماكن المفتوحة. بالإضافة إلى ذلك، يحصل الآباء والأمهات، ممَن لديهم أطفال صغار على إجازات طويلة لرعاية الأطفال. كما تستطيع العائلات أن تختار بين مراكز الرعاية النهارية العامة والخاصة، أو مجموعات الرعاية النهارية الصغيرة في منزل أحد مقدمي الرعاية للأطفال.

ليس هذا فحسب، بل يمكن أن يحصل الأطفال البالغون ست سنوات من العمر على التعليم قبل المدرسيّ سواء في المدارس أو في مراكز الرعاية النهارية. ومن ثم، يلتحق جميع الأطفال – تقريبًا – البالغين ستة أعوام من العمر بالتعليم قبل المدرسيّ.

وإذا لزم الأمر، فقد يلتحق الطفل بالمدرسة قبل أو بعد الوقت المحدَّد بعام واحد، طبقًا لتقييم يجرى لقياس استعدادهم للالتحاق بالمدرسة.

المدارس المحلية والثقة تنتجان تعليمًا مدرسيًّا عالِيَ الجودة

يوجد في فنلندا ما يقرب من 3000 مدرسة شاملة تضم 550،000 طالب. وفي الواقع، تقع مسؤولية تنظيم عملية التدريس فيها على عاتق البلديات. في واحدة من أهم النتائج خلصت دراسة بيسا (PISA) إلى أنه من بين كافة الدول المشاركة، تتمتع فنلندا بأقل قدر من الاختلافات بين المدارس.

ويقول السيد كوبينن: “يُعدّ ذلك نتيجة لمبدأ الاعتماد الأساسيّ على المدارس المحلية، والمعلمين الحاصلين على تعليم رفيع المستوى، وثقافة الثقة”.

أما مبدأ المدارس المحلية، فيعني أن يلتحق جميع الأطفال والشباب تقريبًا بالمدارس القريبة من محل سكنهم، ومن ثم يقطع ذلك المبدأ الطريق على التقسيمات التي تعتمد على الوضع الاجتماعيّ للأسرة. وبما أن المدارس تتميز بكفاءة عالية، نجد الآباء راضين عن المدارس المحلية بصفة عامة، ومن ثم لم تتأسس مدارس خاصة بالصفوة بجانب المدارس المحلية الشاملة. بيد أنه هناك القليل من المدارس الخاصة في بعض الأماكن، والتي ينبغي أن تحصل على ترخيص. تتلقى تلك المدارس تمويلاً ماليًّا من الدولة أيضًا، وتتبع المناهج الدراسية الوطنية، كما أنها ملزمة بقبول تلاميذ من المنطقة التي توجد بها.

وتمول البلديات كذلك انتقال الطلاب، الذين يعيشون في مناطق بعيدة بحيث لا يستطيعون الذهاب إلى مدارسهم سيرًا على الأقدام أو باستخدام وسائل النقل العام.

المعلمون يختارون وسائل التدريس

تضمن تدريب المعلمين كلاً من المهارات التربوية والمعرفة العميقة بموضوعات المناهج الدراسية. وبالرغم من أنه يتم تقرير المناهج وأهداف التعلم على المستوى الوطنيّ، فبإمكان المعلمين اختيار طرق التدريس الخاصة بهم بحرية في الفصول الدراسية.

هذا، ويحصل الطلاب على الدعم والإرشاد في مجموعات صغيرة عند الضرورة.صورة: أماندا سويلا

يقول كوبينن: “يتم تفويض السلطة إلى البلديات والمدارس والمعلمين بشكل فرديّ، من جميع مستويات الإدارة التعليمية للتفاعل ومشاركة الملاحظات. وتثمر ثقافة الثقة هذه عن أشخاص – ليسوا فقط معلمين بل خبراء يعتمدون على أنفسهم”، فهم من ناحية على دراية باحتياجات طلابهم وبالفرص المتاحة أمامهم؛ كما أنهم، من ناحية أخرى، يحترمون أهداف المناهج الدراسية الوطنية.

تُعدّ الأدوات التعليمية عالية الجودة ذات أهمية كبيرة. لذا تدعم الاستثمارات الكبرى إنتاج الكتب المدرسية والأدوات التعليمية الأخرى باللغة الفنلندية، كما باللغة السويدية التي تُعدّ اللغة الرسمية الثانية في فنلندا. كما تتوفر المواد الدراسية – على نحو متزايد – بصورة إلكترونية وعلى الإنترنت.

هذا، ويرى كوبينن أن التحدي القادم بالنسبة إلى المدارس سيتمثل في تطوير التعاون بين المدرسة والبيت، وفي المضي قدمًا بالحوار بين المدرسة والمجتمع المحيط بها.
تعليم المعلم يضمن تعليمًا عالِيَ الجودة

يحمل جميع معلمي المدارس الشاملة، المعينون للعمل بدوام كامل، شهادات جامعية.

وفي المدارس الابتدائية (التي تشمل السنوات الدراسية الست الأولى)، يقوم المعلم عادة بتدريس جميع المواد الدراسية. يحمل هؤلاء المعلمون درجة الماجستير في التعليم مع التركيز على المهارات التربوية. أما في المدارس الثانوية الدنيا والعليا، فيقوم المعلم بتدريس مادة دراسية معينة طبقًا لمجال تخصصه، ويحمل هؤلاء المعلمون درجة الماجستير في تخصصاتهم، كما ينبغي أن يدرسوا العلوم التربوية.

هذا، ويحمل المعلمون بمراكز الرعاية النهارية والتعليم قبل المدرسيّ شهادات جامعية أيضًا.

يُعدّ تدريس المعلمين مجالاً مفضلاً لدى كثيرين، كما يحظى بتقدير بالغ بالرغم من أن العاملين في هذا المجال لا يتقاضون أجورًا عالية نسبيًّا. ومن ثَمَّ، يبلغ عدد المتقدمين لتعليم المعلمين خمسة أضعاف الأماكن المتاحة.

التعليم لجميع مراحل الحياة  

Young pupils spend recess playing outside, rain or shine.

يقضي التلاميذ الصغار فترات الراحة في اللعب في الأماكن المفتوحة سواء أكان الجو ممطرًا أو مشمسًا.صورة: أماندا سويلا

يحصل الفنلنديون على التعليم المجانيّ في جميع مراحل حياتهم، بدءًا من الروضة وحتى أعلى الدرجات العلمية.

يكمل الفنلنديون الصغار التعليم الإلزاميّ في المدارس الثانوية الشاملة. وينتهي التعليم الإلزاميّ بالانتهاء من المناهج الدراسية الخاصة بالتعليم الأساسيّ الذي يتكون من تسع سنوات دراسية، أو على الأقل عندما يبلغون السادسة عشرة من العمر.

وبعد انتهاء الدراسة بالمدرسة الشاملة، يكمل نصف التلاميذ – حوالي 60% من الفتيات و42% من الفتيان – تعليمهم في المدارس الثانوية العليا. تستغرق الدراسة في المدارس الثانوية العليا من عامين إلى أربعة أعوام، وتُختتم بامتحان شهادة الثانوية العامة والقبول بالجامعات.

أما النصف الآخر من الطلاب، فيتجهون إلى التعليم الفنيّ. كما لا يكمل حوالي 5% من الطلاب، الذين ينتهون من الدراسة في المدارس الشاملة، تعليمهم. غير أن الهدف الأساسي يتمثل في أن يكمل جميع الطلاب تعليمهم بالمدارس الثانوية العليا على الأقل، أي أن يحصلوا على شهادة الثانوية العامة أو التأهيل الفنيّ الأساسيّ.

وبعد المدرسة الثانوية العليا، يقرر الطلاب ما إذا كانوا سيدرسون بالجامعة أو بالمعاهد متعددة الفنون. هذا، وتعتمد عملية اختيار الطلاب على نتائج امتحان شهادة الثانوية العامة والدرجات التي حصل عليه الطالب في المدرسة الثانوية العليا، كما تشترط بعض الأقسام اجتياز امتحان آخر للقبول بها. كما يمكن أن يتقدم الطلاب للالتحاق بالجامعة أو بإحدى المعاهد متعددة الفنون إذا كانوا قد حصلوا على شهادة مهنية (بعد الدراسة لمدة ثلاث سنوات) أو ما يعادلها، ومن ثم يستطيع الطلاب أن يتقدموا للالتحاق بالتعليم العالي حتى بعد الدراسة بالمدارس المهنية. إذ يهدف نظام التعليم إلى تجنب الوصول إلى طريق مسدود في جميع مراحل التعليم بما في ذلك التعليم الفنيّ، بحيث يتمكن الطالب دائمًا من الالتحاق بالمستويات الأعلى من التعليم.

وحتى هؤلاء الذين أنهوا تعليمهم ويمتهنون إحدى المهن، بإمكانهم التقدم للحصول على مزيد من التدريب المهنيّ أو لتعلم مهنة جديدة تمامًا. وفي مجالات عدة، يدرس الطلاب من خلال التدريب أثناء العمل بناءً على خطة للتدريب. كما يستطيع الأشخاص الذين مارسوا العمل بمهنة ما أن يثبتوا مهاراتهم فيها، من خلال التقدم لاجتياز اختبار الكفاءة.

كما تشجع الحكومة المركزية والمحلية التعليم الأساسيّ الموجَّه لتنمية المواهب الخلاقة والفنون لدى الأطفال والشباب، بالإضافة إلى التعليم الحر للكبار الذي يقدم تعليمًا في كافة المجالات ودروسًا في الهوايات وكافة الاهتمامات الاجتماعية.

التفاعل الإيجابيّ يدعم نمو الإنسان وتطويره

School days start at 8:30 am and end no later than 3:30 pm.

يبدأ اليوم الدراسيّ في الثامنة والنصف صباحًا وينتهي بالأكثر في الثالثة والنصف عصرًا. صورة: وزارة التعليم والثقافة/ ليسا تاكالا

أوشك يوم دراسيّ عاديّ في مدرسة ميلاتي الشاملة بغرب هلسنكي أن يبدأ. التلاميذ يهرولون إلى خزائنهم وفصولهم. كما يحيي الطلاب بعضهم بعضًا أثناء مرورهم، ويوجه بعضهم التحية لمديرة المدرسة ريتا إركينجونتي، التي يظهر باب مكتبها مفتوحًا على الصالة الرئيسية.

وتقول إركينجونتي: “أرحب بجميع المعلمين والطلاب في مكتبي عندما يكون الباب مفتوحًا، وهو مفتوح طوال الوقت تقريبًا”.

ُعدّ جو المدرسة هادئًا ومريحًا كما هو الحال في معظم المدارس الفنلندية. أما التلاميذ، فتربطهم علاقة من الألفة والاحترام. يدعو الطلاب معلميهم بأسمائهم، كما يقوم التدريس في الأساس على الحوار.

ريتا إركينجونتي، مديرة مدرسة ميلاتي الشاملة صورة: أماندا سويلا

تقول إركينجونتي: “يعتمد التدريس على الدعم والمشاركة والتفاعل. كما يعمل الطلاب باجتهاد، دون أن يجبَروا على ذلك من خلال الطلب أو التخويف أو الضغط”.

تضم مدرستها حوالي 350 طالبًا في المرحلة الثانوية، أي من السنة السابعة وحتى السنة التاسعة من التعليم. كما تتراوح أعمار الطلاب بين 13 و16 عامًا. وبالإضافة إلى المناهج الدراسية المعتادة الخاصة بالمرحلة الثانوية، تتوفر في المدرسة برامج لتدريس الفن والموسيقى. كما توجد مجموعة تدرِّس باللغتين الفنلندية والصينية، بالإضافة إلى فصل لتعليم اللغة يدرس فيه الطلاب الناطقون بالفنلندية المواد الدراسية باللغة السويدية خلال جزء من اليوم الدراسيّ، وهكذا يتعلمون اللغة الرسمية الثانية للدولة دون أن يبذلوا جهدًا إضافيًّا. كما توجد فصول تحضيرية خاصة للمهاجرين، وفصول لتدريب التلاميذ الذين يعانون من إعاقات ذهنية بسيطة. وقد يأتي الطلاب الدارسون في الفصول الخاصة من مناطق خارج المنطقة المحلية التي تقع فيها المدرسة.

تقول إركينجونتي: “يُعدّ من المفيد بالنسبة إلى التلاميذ أن يلتقوا بمختلف أنواع متلقي التعليم داخل المدرسة، والذين يمثلون ثقافات متعددة”. تتبع كثير من المدارس الفنلندية نفس النهج.

إذ يبدأ اليوم الدراسيّ في الثامنة والنصف صباحًا، وينتهي بالأكثر في الثالثة والنصف عصرًا. كما تتضمن مناهج المدرسة الثانوية الرياضيات، واللغة الفنلندية، ولغتين أجنبيتين على الأقل، والعلوم الإنسانية، والعلوم الطبيعية، بالإضافة إلى ساعتين للتربية البدنية أسبوعيًّا.

الدعم الخاص للتلاميذ الذين لديهم صعوبات في التعلم

طبقًا للتقييمات الدولية، تتمثل إحدى نقاط القوة، التي تتسم بها المدارس الفنلندية، في الأسلوب الذي تتبعه المدارس في دعم التلاميذ ممَن يعانون من صعوبات في التعلم، أو الذين يحتاجون إلى دعم خاص. هذا، ولا يمكنك الالتحاق بأيٍّ من المدارس الفنلندية دون تنمية بعض المهارات الأساسية في القراءة والرياضيات وبعض المجالات الأخرى. ولكل طفل وشاب الحق في الحصول على تعليم رفيع المستوى، بغض النظر عن ظروفه الشخصية أو حدود قدراته.

كما يحق للتلاميذ الحصول على مساعدة عندما يحتاجون إلى ذلك. وتتضمن الأشكال الشائعة للدعم التدريس العلاجيّ في مجموعات صغيرة، والمشورة الفردية، وتدريس للتلاميذ وفقًا لظروفهم الشخصية حتى وإن كانوا يدرسون في نفس الفصل مع تلاميذ آخرين. هذا، ويوجد في كافة المدارس معلمون من التربية الخاصة، كما يوجد في جميعها تقريبًا مساعدو معلمين زائرون للمساعدة في حالة وجود تلاميذ لهم احتياجات خاصة. فإذا وُجِدَ أن أحد التلاميذ يعاني من صعوبات متعددة ودائمة في التعلم، يتم إعداد خطة تعلم شخصية له. أما التلاميذ الذين لديهم صعوبات متوسطة أو طفيفة في التعلم، فيدرسون في نفس المدارس، بل وفي نفس الفصول، مع غيرهم من التلاميذ، غير أن المدارس تتلقى موارد إضافية في هذه الحالة.

كما أن التلاميذ من ذوي الإعاقات الذهنية أو الإعاقات البدنية والحسية الشديدة، أو الذين يعانون من مشكلات صحية أو عقلية، يدرسون في فصول أو في مدارس خاصة بهم، ويستمر التعليم الإلزاميّ لمدة 11 عامًا بالنسبة إلى بعضهم.

هذا، ويتلقى أبناء المهاجرين مختلف أنواع الدعم في المدرسة. وبالنسبة إلى هؤلاء الذين لا يتحدثون الفنلندية أو السويدية بدرجة كافية، فيتلقون تعليمًا تمهيديًّا في مجموعات صغيرة، يتعلمون من خلالها اللغة الفنلندية في مناهج معَدّة خصيصًا. كما يستطيع الأطفال من أبناء المهاجرين، في المدن الكبرى، الحصول على دروس في اللغات تُدَرس بلغاتهم الأصلية.

المواد الدراسية الفنية تساعد على تطوير الشخصية

يعزز حماس المعلمين والطلاب في مدرسة ميلاتي الشاملة التعاون مع مختلف المنظمات، بما في ذلك المعاهد الفنية والنوادي الرياضية والكنيسة المحلية. كما تسهم العديد من المشروعات في مساعدة المدرسة على ملاحقة التطورات وتكنولوجيا الحاسوب وغيرها من المجالات. هذا، وتحقق مدرسة ميلاتي نتائج جيدة في التعلم، وقد تم اختيارها مرة واحدة ضمن برنامج بيسا (PISA).

تقول إركينجونتي: “يُمَكن نظامنا الدراسيّ المدارس من تجنُّب المنافسة بين بعضها البعض. فنحن نركِّز على دعم التلاميذ اعتمادًا على موقف كل منهم على حدة”.

ومن هذا المنطلق، تُعدّ الفنون والمواد العملية مهمة للغاية.

هذا، وتحظى مصلحة الطلاب والتفاعل بينهم باهتمام خاص.صورة: وزارة التعليم والثقافة/ ليسا تاكالا

“تدعم المواد التي تجعل الطالب قادرًا على التعبير عن نفسه تكوين شخصية متوازنة وفي نمو مستمر. كما يستطيع الطلاب الموهوبون التعمق في هذه المواد في حصص مخصصة لذلك، مما يساعد على زيادة التحفيز ويضع أمامهم تحديات إضافية”.

هذا ما قالته المديرة إركينجونتي، انطلاقًا من إيمانها بأن نجاح المدارس الفنلندية يرجع بنسبة كبيرة إلى القيم والصورة الإنسانية لمجتمع المدرسة. يستطيع الصغار اكتساب المعرفة والمهارات عندما يشعرون أنهم مقبولون ويحظون باحترام الجميع وثقتهم. أما العنف والتخويف وغيرها من الأمور التي تضر بمصلحة الطالب، فيتم معالجتها دون توانٍ.

وطبقًا لخبرة إركينجونتي، تتعلق بعض أهم التحديات في تعليم الأطفال بانشغال الوالدين الدائم، واحتياج المراهقين إلى اهتمام مستمر من الكبار في حياتهم. ففي المجتمعات الحديثة، يتعين على الأطفال في أغلب الأحيان أن يكبروا بسرعة. كما ينبغي أن يعتمدوا على أنفسهم ويصبحوا مرنين في سن مبكرة.

ويتمثل تحدٍ آخر في تدفق أنهار من المعلومات. تقول إركينجونتي: “إننا نعيش في عالم من المعلومات غير المحدودة، وبالطبع يؤثر ذلك على المدارس أيضًا. فكيف ستستطيع المدارس في المستقبل أن تقرر ما ينبغي التركيز عليه؟ وأين ينبغي أن نضع الخط الفاصل؟”

ضمان مصلحة الطلاب

توجد في كل مدرسة وحدة لحماية الطلاب وخدمات صحية لهم. وتتمثل حماية الطلاب في مسؤولية المدرسة عن سلامة الطلاب البدنية والعقلية والاجتماعية. فيجوز أن تتخذ المدرسة بعض الإجراءات إذا أهمل الطالب المدرسة، أو إذا دام تأخره، أو إذا أصبح منعزلاً عن زملائه في الفصل، أو إذا كان يتعاطى المخدِّرات أو الكحوليات، أو إذا كان يعاني من غياب الاستقرار الأسريّ. وفي هذه الحالات، يصبح من حق الكبار في المدرسة، بل ومن واجبهم، أن يعملوا لإيجاد حل بالتعاون مع الوالدين، أو من خلال التوجه إلى مركز الرعاية الصحية أو حماية الطفولة أو الخدمات الاجتماعية بالبلدية لطلب المشورة، إذا لزم الأمر.

هذا، ويخضع الطلاب لفحوصات طبية ومراجعة لحالة الأسنان بصورة دورية، كما قد ترسلهم المدرسة لإجراء فحوصات أكثر في مركز الخدمات الطبية بالبلدية إذا لزم الأمر. وبالطبع تُقدَّم الخدمات الطبية في المدرسة مجانًا.

“أفضل ما في المدرسة هو الجو النشط والمشجع”.

Oona Niemelä (centre) checking graphic prints with her classmates.

أونا نيميلا (في الوسط) تنظر إلى الرسوم المطبوعة مع زملائها.صورة: أماندا سويلا

اليوم الدراسيّ الخاص بأونا نيميلا، طالبة في الصف الدراسيّ التاسع

تستيقظ أونا نيميلا – البالغة من العمر 15 عامًا – قبل تمام السابعة صباحًا، وتتناول وجبة الإفطار مع أسرتها. ثم تذهب إلى المدرسة في الحافلة، وتستغرق رحلتها إلى المدرسة نصف ساعة. تدرس أونا نيميلا في الصف الدراسيّ التاسع في مدرسة ميلاتي الشاملة، وتتخصص في الفنون البصرية.

وبالطبع ليست مدرسة ميلاتي أقرب مدرسة محلية بالنسبة إليها، غير أنها التحقت بتلك المدرسة لتوفر دراسة الفنون البصرية فيها.

وتقول أونا: “في اختبار القبول، كان عليَّ أن أرسم بالقلم الرصاص وأقوم بالتلوين بألوان الماء. وبالرغم من أنني كنت متوترة، فقد اجتزت الاختبار”. وترى نيميلا أن أفضل ما يميز مدرسة ميلاتي الشاملة هو المناخ الإيجابيّ الذي يشجع الطلاب أن يبقوا في نشاط وحيوية دائمَين. فينبغي ألا تقلق من التعرض للعنف والمضايقات في المدرسة.

المواد الدراسية المفضلة بالنسبة إلى أونا هي الفنون البصرية واللغات. فهي لا تحب الفيزياء والدين بنفس الدرجة.

“يستغرق عمل الواجبات المدرسية ساعة ونصف يوميًا، لكنني أذاكر لفترة أطول قبل الامتحانات. وعادة لا أحتاج إلى مساعدة من والديّ في عمل الواجبات المدرسية”.

هذا، ويستغرق يومها الدراسيّ من خمس إلى سبع ساعات. يتخلل كل صباح وكل ظهيرة أثناء اليوم الدراسيّ راحة لمدة 15 دقيقة، وفي منتصف اليوم الدراسيّ يأخذ الطلاب راحة لمدة نصف ساعة لتناول وجبة الغذاء. تلتقي أونا بأصدقائها أثناء فترات الراحة، كما يمكثون في فناء المدرسة إذا كان الطقس جيدًا.

وبعد اليوم الدراسيّ، تنشغل أونا بممارسة هواياتها. فهي تأخذ دروسًا في العزف على البيانو في مدرسة لتعليم الموسيقى، كما تركب الخيل مرة كل أسبوع. تذهب أونا لممارسة هواياتها بمفردها وباستخدام وسائل النقل العام، كما يفعل معظم الشباب في هلسنكي.

وفي المساء، تؤدي أونا واجباتها المدرسية وتتدرب على العزف على البيانو. كما تقضي أونا بعض الوقت في الدردشة مع أصدقائها من خلال الإنترنت، والتحدث في الهاتف، ومشاهدة التليفزيون. وإذ تنشغل بأنشطة عدة طوال الأسبوع، تتنزه أونا مع أصدقائها في العطلة الأسبوعية.

وعادة ما تطفئ أونا أضواء غرفتها في العاشرة مساءً.

تخطط أونا للالتحاق بالمدرسة الثانوية العليا بعد إنهاء دراستها في المدرسة الشاملة. وتود الالتحاق بمدرسة سيبيليوس الثانوية، حيث يوجد برنامج خاصّ لتعليم الموسيقى.
وتقول أونا: “لست أخطط للعمل في مجال الفن، لكنني أظن أنه من الجيد أن أتعمق في دراسة الموسيقى والفن، فقط لأنني أحبهما”.

مزيد من المعلومات

نظام التعليم الفنلنديّ

المصدر: وزارة التعليم والثقافة

الأهداف التربوية الموحدة

تقرر الحكومة الأهداف العامة، وتقسيم الساعات الدراسية للمواد بين المدارس الشاملة والمدارس الثانوية العليا. ويعتمد ذلك على المنهج الوطنيّ الذي يضعه مجلس التعليم الوطنيّ الفنلنديّ التابع لوزارة التعليم والثقافة. ثم يضع مقدمو الخدمات التعليمية، في البلديات، خطط المناهج الخاصة بكل مدرسة بناءً على المناهج العامة. ومن ثَمَّ، يدرس كافة التلاميذ في كافة أنحاء الدولة نفس المواد الدراسية بنفس مستوى الجودة. كما يسمح نظام التعليم، في نفس الوقت، بالتركيز والتحسين المحليين.

هذا ويتم تقييم نتائج التعلم الخاصة بالطلاب في المدارس الشاملة من خلال مراقبة وطنية، يتم فيها اختيار 5% عينة عشوائية. وبالإضافة إلى ذلك، يُطلَب من المسؤولين عن تنظيم عملية التدريس إجراء تقييمات بصورة دورية.

تُختتم الدراسة بالمدارس الثانوية العليا باختبار شهادة الثانوية العامة، الذي يضعه المجلس الوطنيّ لاختبارات شهادة الثانوية العامة.

صورة: أماندا سويلا

يتخلل المنهج تقديم وجبة غذاء مجانية

بقلم مينا كانتين

يحصل كل طفل في مراكز الرعاية النهارية، والمدارس الابتدائية والثانوية والمعاهد الفنية، على وجبة غذاء صحية ساخنة تحتوي على سلطة وخبز ولبن.

وتشكل وجبة الغذاء المجانية التي تُقدَّم في المدارس جزءًا من المنهج الرسميّ. تتلخص الفكرة في أن استراحة الغداء في المدرسة تساعد الأطفال على استعادة نشاطهم خلال ما تبقى من اليوم. كما تُعدّ تلك الوجبة، في نفس الوقت، درسًا في الصحة والتغذية والعادات.

أما في بعض المدارس الرائدة، فتقدَّم للطلاب وجبات صديقة للمناخ، مثل وجبات الغذاء النباتية والعضوية.

قوائم الغذاء المفضلة لدى الأطفال في المدارس

  • اللازانيا
  • طاجن المعكرونة باللحم المفروم
  • فطائر السبانخ
  • كرات اللحم
  • صلصة باللحم المفروم
  • أصابع السمك
  • طاجن البطاطس المهروسة باللحم المفروم
  • عصيدة الشعير

صورة: أ. سويلا

بقلم سالا كوربيلا

تم النشر في مايو 2012، وتم التحديث في يوليو 2014