وتُعد فنلندا من الدول التي يسهل زيارتها. هذا، وستجد أن العادات والأخلاقيات الفنلندية أوروبية أصيلة، مع وجود بعض الاختلافات القومية الطفيفة، غير أن الاتجاهات فيها تحررية. وليس ثمة سوى احتمال ضئيل أن يقع أي من زوار فنلندا في أخطاء اجتماعية جسيمة أو خرق للآداب من شأنه إتلاف العلاقات بينه وبين مضيفيه. إذ ينظر الفنلنديون لمثل هذه الانتهاكات برصانة إذا ما كان مرتكبها مواطنًا فنلنديًّا، وبتفهم وفكاهة إذا وقع فيها أحد الأجانب. وبالإضافة إلى ذلك، تُعدّ قواعد السلوك يسيرة ومريحة إلى حد ما، كما تُبنى السمعة لديهم – جيدة كانت أم سيئة – مع مرور الوقت على أساس التصرفات الشخصية وليس بناءً على التوافق مع القواعد والمعايير، فمن الصعب أن تبنى أو تهدم السمعة في فنلندا كنتيجة لخطأ اجتماعي واحد.
ليس هذا فحسب، بل نجد الشعب الفنلنديّ يُقدِّر الكلمة الشفهية بدرجة كبيرة، لذا فهم يختارون كلماتهم بعناية بهدف إيصال رسائل محددة. وفي الواقع، ثمة بعض الاعتبارات الثقافية القليلة الأخرى التي يتعين على زوار فنلندا أن يكونوا على دراية بها. تتمثل إحداها في أن الفنلنديين يُقَدِّرون قيمة الكلمات، مما ينعكس على ميلهم نحو التفوه بكلمات قليلة وتجنب “الأحاديث غير الضرورية”، وكأنهم يقتدون بالحكمة القائلة: “ما أحكم الصمت حين لا يحسن الكلام!”.
الهوية
يتمتع الشعب الفنلنديّ بشعور قويّ بهويته القومية. وتمتد جذور ذلك الشعور في التاريخ الفنلنديّ، ولا سيما في الإنجازات المشرفة خلال زمن الحرب والتفوق الرياضيّ. كما يقوي افتخار الفنلنديين بخبرتهم التقنية العالية شعورهم بهويتهم القومية. وبوصفهم شعبًا واقعيًّا، لا يتوقع الفنلنديون أن يعرف الأجانب الكثير عن بلدهم وعن المشاهير من الفنلنديين في الماضي والحاضر، ومن ثم يسعدون إذا وجدوا زائرًا على دراية ببعض أهم معالم التاريخ الفنلنديّ، وبإنجازات بافو نورمي ولاسي فيرين الرياضية على الأقل. يسر الشعب الفنلنديّ أن يعرف زوار فنلندا شيئًا عن إنجازات متسابقي الرالي ونجوم الفورمولا 1 الفنلنديين، أو إذا كانوا يعرفون أن لاعبي كرة القدم ياري ليتمانن وسامي هيبيا مواطنون فنلنديون. كما يعتبر الفنلنديون المهتمون بالثقافة أنه أمر مسلَّم به أن يكون الزوار الذين لهم نفس الاهتمامات يعرفون ليس فقط سيبيليوس، بل وأيضًا الملحنين المعاصرين، أمثال كايا سارياهو وماجنوس ليندبرج، وقادة الأوركسترا عيسى-بيكا صالونين وجوكا-بيكا ساراستي وساكاري أورامو وأزمو فانيسكا. وبينما يعلم الفنلنديون أن الكثيرين يظنون أن شركة نوكيا شركة يابانية، فهم يتغاضون عن هذا الخطأ، لكنهم يشعرون بالأسى تجاهه. كما يفخرون بأن لينوس تورفالدس، مخترع نظام لينكس، فنلندي الأصل.
هذا، وينبغي أن يكون الزائرون على استعداد لملاقاة الجانب الآخر من الشخصية القومية الفنلندية: إذ يشعر الفنلنديون بصفة مستمرة أن العالم قد لا يكون على دراية بإنجازات تلك الأمة التي تقطن شمال الكرة الأرضية. لذلك يهوى الفنلنديون قراءة ما يكتب عنهم في البلدان الأخرى، فلا ينبغي أن يشعر زوار فنلندا بعدم الارتياح عندما يسألهم الفنلنديون مرارًا وتكرارًا عن رأيهم في فنلندا. وفي حين يظل الفنلنديون على استعداد لنقد بلدهم، تجدهم لا يريدون أن يفعل زوار فنلندا هكذا.
الدين
وفيما يخص الدين، ثمة مخاطر قليلة جدًّا يواجهها زوار فنلندا، حتى بالنسبة إلى بعض الموضوعات التي تُعدّ غاية في الحساسية بالنسبة إلى الثقافات الأخرى. ينتمي معظم الفنلنديين (83% منهم) بشكل رسمي إلى الكنيسة اللوثرية، كما ينتمي 1.1% منهم إلى الكنيسة الفنلندية الأرثوذكسية. غير أنهم جميعًا يتبنون آراء وأفكارًا علمانية. وبالرغم من ذلك، تحظى الكنيسة وخدامها بتقدير بالغ، كما يحترم الجميع الآراء الدينية الشخصية. ويصعب أن تلاحظ اختلافات بين المؤمنين وغيرهم في الحياة اليومية، بخلاف أن المؤمنين يحيون حياة أكثر استقامة من غيرهم.
النوع
حققت فنلندا درجة كبيرة من المساواة بين الجنسين، وينعكس ذلك على وجود عدد كبير من النساء يشغلن مناصب رفيعة في السياسة والمجالات الأخرى في المجتمع.
وهناك أيضًا عدد كبير من النساء يشغلن مناصب أكاديمية، كما يجد رجال الأعمال – الذين يزورون فنلندا في السنوات الأخيرة – عددًا متزايدًا من “الجنس اللطيف” على الجانب الآخر من طاولة المفاوضات. ليس هذا فحسب، بل تقبل الكنيسة اللوثرية أيضًا سيامة النساء، ومن ثم يوجد عدد كبير من النساء الكاهنات في معظم الأبرشيات. غير أنه لم تنتخب أي امرأة لسيامتها أسقفًا بعد.
هذا، وتُعدّ كافة المواقف المتعصبة ضد المرأة أو التي تبتغي السيطرة عليها، مرفوضة بصفة عامة، غير أنها لا زالت تمارس في الواقع. وتُقَدِّر النساء المجاملات التقليدية، غير أنهن يقدرِّن الرجال على أساس موقفهم من المساواة. عادة ما تكون النساء مستقلات ماليًّا، وقد تعرض أن تدفع نصيبها من فاتورة المطعم، على سبيل المثال. وقد يرفض الرجل عرضها هذا بأسلوب مهذب، غير أن قبوله له يُعد موقفًا مهذبًا كذلك.
وفي السياقات الدولية، أو عند استخدام لغة أجنبية، وبخاصة الإنجليزية، اعتاد الفنلنديون استخدام لغة صحيحة من الناحية السياسية، والتي تستبدل فيها المفردات التي تشير للمذكر بمفردات أخرى محايدة من حيث النوع، بالإضافة إلى ذكر ضميري المفرد الغائب (هو/هي) في آن واحد، إذا كان هناك رجال ونساء مجتمعين معًا. غير أن تلك المشكلة ليس لها وجود في اللغة الفنلندية. فنجد ضمير الغائب المفرد hän يشير إلى النوعين. كما توجد كثير من الألقاب تنتهي بالمقطع –mies (man) الذي لا يخص أحد النوعين دون الآخر. ومن اللائق بالنسبة إلى الزوار أن يتبعوا القواعد المتعارف عليها الخاصة باللغة التي يستخدمونها.
المحادثة
يُعد تصور الفنلنديين بوصفهم شعبًا متحفظًل وقليل الكلام تصورًا قديمًا، ولم يُعد الأمر كما كان عليه من قبل، ولا سيما بالنسبة إلى الأجيال الشابة بيد أنه من الإنصاف أن نقول إن الفنلنديين لديهم اهتمام خاص بالكلمات وبالحديث، إذ يأخذون الكلام بمحمل الجدية ويلتزمون بكل ما يقولون. وكما يقول المثل الفنلندي: “أمسك بالرجل من كلمته وبالثور من قرنيه”. لذا، ينتقي أي شخص فنلندي ما يقوله بعناية، ويتوقع أن يفعل الآخرون هكذا. كما يعتبر الفنلنديون الاتفاقيات والعهود الشفهية ملزمة، ليس فقط بالنسبة إليهم، بل بالنسبة إلى الأطراف الأخرى أيضًا، كما يرون أن الكلمات لها قيمتها بغض النظر عن المكان والزمان اللذَين صدرت فيهما. وينبغي أن يتذكر زوار فنلندا أن الدعوات والأمنيات التي تُذكر أثناء الحديث، مثل: “دعنا نتناول الغذاء معًا في وقت لاحق” تؤخذ مأخذ الجدية، وقد يؤدي نسيانها إلى بعض القلاقل. أما الحديث بهدف الحديث فحسب، تلك المهارة التي يفتقر إليها الفنلنديون بشدة، فهو أمر غير مستحب بالنسبة إليهم ولا يحظى بتقديرهم.
فيندر أن تجد الفنلنديين يتحدثون مع الغرباء ما لم يوجد دافع قويّ لذلك. وكما يلاحظ الأجانب في أغلب الأحيان، يصمت الفنلنديون بدرجة كبيرة في المترو وحافلات الركاب والترام. وفي المصاعد الكهربائية، تجدهم يعانون من نفس الإحراج الصامت، مثلهم في ذلك مثل غيرهم في جميع أنحاء العالم. غير أن الزائر الذي يمسك بخريطة في يده، لا يجد أي مشكلة في الحصول على مساعدة على جانب الطريق أو في أي مكان عام آخر، حيث يفوق كرم الفنلنديين تحفظهم المعتاد.
ومن ثم، يجيد الفنلنديون الإنصات أكثر من إجادتهم للكلام، لذا تُعدّ مقاطعة المتكلم سلوكًا غير مهذب بالنسبة إليهم. هذا، ولا يستثير الصمت أثناء الحديث غضب الفنلنديين بالمرة، إذ يعتبرون الصمت جزءًا من لغة التواصل. وعادة ما يتحدث الفنلنديون بهوادة، حتى عندما يتحدثون الفنلندية، (يجد الأجانب تسلية لا بأس بها في معدل سرعة قراءة الأخبار على القنوات التليفزيونية الفنلندية مثلاً). وبالرغم من إجادة كثير من الفنلنديين للغات أجنبية عدة، فإنهم يتحفظون من السرعة التي يتسم بها التحدث بتلك اللغات. بيد أن الفنلنديين قد يصبحون متحمسين وطليقي الألسنة عندما يتطلب الموقف ذلك.
فعندما يتعرف الفنلنديون على شخص غريب جيدًا، تجدهم على استعداد تام لمناقشة أي موضوع معه، حتى الدين والسياسة. كما يحتل الفنلنديون مركزًا متقدمًا في قراءة الكتب والصحف وارتياد المكتبات على مستوى العالم، لذا تجدهم بصفة عامة على دراية بما يحدث في فنلندا وفي أي مكان على وجه الأرض. هذا، وقد زادت عضوية فنلندا في الاتحاد الأوروبيّ من اهتمام الفنلنديين بالدول الأوروبية الأخرى، كما أصبحت العملة الموحدة وأحوال الزراعة وآثار التشريعات المشتركة على رأس موضوعات الحديث كلما التقى اثنان أو ثلاثة من مواطني الاتحاد الأوروبيّ. وبالرغم من أن الفنلنديين يستمتعون بالشكوى من توجيهات “البيروقراطيين في بروكسل” التافهة، يبدو أنهم يؤيدون عضوية الاتحاد الأوروبيّ بصفة عامة ويُقَدرون مزاياها.
الهوايات المشتركة هي موضوع شائع يتناوله الفنلنديون في الحديث ويتبادلون الآراء حوله، مثلهم في ذلك مثل غيرهم، لذلك فمن السهل أن تتجاذب أطراف الحديث مع شخص فنلندي حول الثقافة والفنون من جهة والرياضة من جهة أخرى. وتُعد الرياضة إحدى الموضوعات الحيوية في الحديث، حيث حظي الفنلنديون في السنوات الأخيرة بنجاح باهر في الرياضة، بخلاف ما حققوه في الماضي في الجري لمسافات طويلة وفي رياضات الشتاء: حيث يوجد لديهم الآن لاعبو كرة قدم عالميون ومتسابقون في الرالي، ومتزلجون على جبال الألب، ومن ثَمَّ هناك هواة وأشخاص متحمسون لتلك الرياضات. كما أصبح للفنلنديين باع في رياضة الجولف -وبخاصة في المناطق الحضرية، بيد أنهم يضطرون للتخلي عن تلك التسلية في فصل الشتاء. ومن ثم، يصبح الحرمان من تلك التسلية موضوعًا شيقًا للحديث مع الزائر الذي لديه فكرة عن رياضة الجولف.
تكنولوجيا المعلومات
لقد أثمر الانتشار الواسع للهواتف النقالة عن إحداث ثورة في شكل مهارات التواصل والاتصالات في فنلندا. وتدل نغمات الرنين المسلية الطويلة الخاصة بالهواتف النقالة على رغبة الناس في التحدث إلى بعضهم البعض، وبخاصة عندما لا يكونون معًا. وقد وصف أحد الصحفيين الأجانب مشهدًا اعتبره فنلنديًّا أصيلاً، وهو لرجل يجلس بمفرده في إحدى الحانات، يحتسي الجعة ويتحدث في هاتفه النقال. صورة فنلندية من الحديث بهدف الحديث فحسب؟ التواصل في غياب الحميمية؟
ثمة ضوابط على استخدام الهاتف المحمول في فنلندا، كما هو الحال في دول كثيرة أخرى. ومن ثم، نجد أن استخدامها بصورة مزعجة أو ضارة ممنوع، إذ يُمنع استخدام الهواتف النقالة تمامًا في المستشفيات وعلى متن الطائرات. كما لا يليق أن تُستخدم أثناء الاجتماعات. أما استخدامها في المطاعم والحانات، فيعتبره الكثيرون أمرًا مزعجًا، لكنهم يتغاضون عنه. غير أن استخدامها في الحفلات الموسيقية والمسارح والكنائس يُعد سلوكًا همجيًّا، لذا يغلق الأشخاص، الذين يحترمون غيرهم، هواتفهم النقالة في تلك الأماكن.
ومما لا شك فيه أن الهواتف النقالة قد غيرت تصورات الزائرين الخاصة بفنلندا. فبينما كان الزائر يعود إلى بلده، منذ بضعة عقود مضت، ليصف الفنلنديين بأنهم قوم يقطنون في شمال أوروبا وانطوائيون ومتحفظون ولا يتواصلون مع غيرهم، أصبح الرأي السائد – في يومنا هذا – أنهم شعب يتسم بدرجة عالية من التواصل، ويستشرفون المستقبل الذي يخشاه البعض ويتطلع إليه الآخرون، فقد أصبحت فنلندا مجتمعًا يمكن الوصول فيه إلى أي شخص بغض النظر عن المكان والزمان.
وحيث غيَّر استخدام الإنترنت والبريد الإلكترونيّ الأسلوب الذي يتواصل به البشر ويحصلون من خلاله على المعلومات تغييرًا جذريًّا في جميع أنحاء العالم، لم تُستثنَ فنلندا من ذلك التطور. أما بالنسبة إلى الشباب، فقد أضحى استخدام التطبيقات التكنولوجية – التي تتزايد باستمرار – أمرًا شائعًا، كما أصبح عاملاً مهمًّا في بناء ثقافتهم. ليس هذا فحسب، بل صار السياسيون ومديرو الشركات ينشئون مواقع إلكترونية ومدونات شخصية، وذلك بصفة متزايدة، للتعليق على أمور الحياة وللتعبير عن آرائهم علانية.
اللغات
اللغات الأم في فنلندا هي إما الفنلندية أو السويدية (التي يتحدثها حوالي 5.6% من سكان فنلندا)، أو اللغات السامية (التي يتحدثها حوالي 8،000 من المواطنين الأصليين). وتنتمي اللغة الفنلندية إلى مجموعة اللغات الفيني أوغرية، والتي تُعد مفهومة خارج فنلندا (بل ويتحدثها البعض في إستونيا). وفي السويد كذلك، يتحدث المهاجرون الفنلنديون اللغة الفنلندية. كما يهتم الفنلنديون بالتواصل اللغويّ، من خلال تدريس عدد كبير من اللغات الأجنبية في المناهج المدرسية.
هذا، وتُستخدم اللغة الإنجليزية على نطاق واسع في فنلندا، وفي مجال الأعمال، تعتبرها بعض الشركات لغتها الأولى. أما اللغة الألمانية، فلم تعد تُدرَس، غير أن كثيرين من الفنلنديين – الذين تزيد أعمارهم حاليًّا عن 50 عامًا – قد تعلموا الألمانية كلغة أجنبية أولى في مدارسهم. وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت اللغات الفرنسية والأسبانية والروسية تحظى بشعبية واسعة في المدارس وبين الدارسين من البالغين. وقد عملت عضوية فنلندا في الاتحاد الأوروبيّ، والمتطلبات الاجتماعية والعملية التي ترتبت عليها، على ازدياد الحاجة لتعلم اللغات الأوروبية الأخرى، على الأقل بالنسبة إلى الفنلنديّين الذين يسافرون إلى دول أوروبية أخرى للعمل أو الدراسة.
هذا، ويتحدث الفنلنديون المتعلمون – وبخاصة الذين يعملون في القطاع العام – اللغة السويدية بدرجة معقولة، بينما يتحدث كافة الفنلنديّين الناطقين بالسويدية تقريبًا اللغة الفنلندية أيضًا. وتُعد اللغة السويدية اللغة السائدة فقط في بعض المناطق الساحلية وفي أقليم جزر آلاند المستقل، بل إنها اللغة الرسمية الوحيدة في آلاند. ويمكنك أن تدرك وضع اللغة السويدية بوصفها اللغة الرسمية المشتركة (بالإضافة إلى اللغة الفنلندية) في فنلندا من خلال أسماء المؤسسات العامة التي تكتب بهاتين اللغتين، وكذلك في لافتات الشوارع. وفي حالة اللافتات، يعتمد الأمر على نسبة الأقلية الناطقة بتلك اللغة القاطنين في مقاطعة بعينها، كما توجد برامج إذاعية وتليفزيونية ناطقة بالسويدية. هذا، وللفنلنديين الناطقين بالسويدية إرثهم الثقافيّ الخاص بهم، كما تتأثر عاداتهم الاجتماعية بالتقاليد الإسكندنافية أكثر من تأثرها بتقاليد الأغلبية الناطقة بالفنلندية.
الأسماء والألقاب
عندما يقدم الفنلنديون أنفسهم، يذكرون أسماءهم الأولى متبوعة بأسماء عائلاتهم. أما بالنسبة إلى المرأة التي تحتفظ باسم عائلتها وباسم عائلة زوجها، فتذكرهما بهذا الترتيب عينه. وبالرغم من أن الفنلنديّين يقدِّرون ألقابهم الرسمية ويفتخرون بها، فإنهم نادرًا ما يذكرونها عندما يقدمون أنفسهم. بيد أنهم يتوقعون أن يخاطبهم الآخرون بألقابهم في السياقات الرسمية والمهنية: مثل، د. فرتانن، المدير العام سافولينن، وهكذا. غير أنه لا يُطلب من الأجانب اتباع تلك القواعد، باستثناء ذكر لقب دكتور أو بروفيسور، إذا كان معروفًا لدى المتحدث. فيما عدا ذلك، يمكن أن يدعوهم الأجانب أستاذ، أو سيدة، أو آنسة، أو سيد، بما يناسب كل شخص.
ويستخدم أسلوب الخطاب المألوف (أي ضمير المفرد المخاطب sinä, وليس ضمير الجمع المخاطب الرسمي te)بصفة عامة، ليس فقط بين الأصدقاء والمعارف، بل بين الغرباء أيضًا. وقد صار من المألوف في يومنا هذا، أن يخاطب الناس بعضهم بعضًا في مكان العمل باستخدام ضمير المفرد المخاطب sinä, ويشمل ذلك مخاطبة المديرين، على الأقل في أماكن العمل الكبيرة. ويُعدّ استخدام ضمير المفرد المخاطب شائعًا حاليًّا في مجالات المهن الخدمية، بالرغم من أن كبار السن يستاؤون من الألفة الزائدة التي يدل عليها ذلك! غير أن الشباب لا يزالون يخاطِبون كبار السن أو الفئات العمرية المتوسطة باستخدام ضمير المخاطب الجمع الرسمي، إذا كانوا لا يعرفونهم جيدًا.
وبالرغم من أن استخدام ضمير المخاطب المفرد sinäشائع، لا يدعو أي شخص غيره باسمه الأول إلا إذا كانت تربطه به علاقة وثيقة. لكن من السهل أن تتحدث مع شخص فنلنديّ وتدعوه باسمه الأول إذا كان من الواضح أنكما ستلتقيان مرارًا وتكرارًا للعمل أو للتسلية. وبالرغم من ذلك، فإنه من اللائق أن يتم الاتفاق على استخدام الأسماء الأولى. ولكن كيف يتم ذلك؟ يقترح الشخص الأكبر سنًّا أو الأرفع مقامًا استخدام الأسماء الأولى على مَن هم أقل منه سنًّا أو رتبة. أما في حالة الأشخاص المتساوين في السن والمقام، فينبغي أن تبادر المرأة باقتراح ذلك الأمر على الرجل، وتتم الموافقة عن طريق المصافحة والاتصال البصريّ، فينطق كل منهما اسمه الأول بصوت عالٍ ويهز رأسه. كما يُضفي رفع كؤوس الشنابس أو النبيذ أو الشمبانيا جوًّا احتفاليًّا على هذه المناسبة.
غير أن الفنلنديين لا يهتمون بتذكر الأسماء كما تفعل غيرهم من الشعوب. وليس من المعتاد أن تدعو الشخص باسمه الأول عندما تحييه (بغض النظر عن علاقتك به)، أو أثناء حديثك معه. لقد تسربت مخاطبة الشخص باسمه من الثقافة الأمريكية إلى الثقافة الفنلندية، وبالقدر الذي يُعدّ به سماع الشخص اسمه أمرًا لطيفًا، لا يتضايق الفنلنديون مطلقًا إذا لم تخاطبهم بأسمائهم.
يقوم رجال الأعمال والمسؤولون بتوزيع بطاقات العمل الخاصة بهم ليضمنوا أن الآخرين سيتذكرون أسماءهم وألقابهم. هذا، ولا توجد طقوس خاصة بتبادل بطاقات العمل في فنلندا. ويوفر استلام بطاقة عمل، بالنسبة إلى الزائر، فرصة جيدة للاستفسار عن كيفية نطق الأسماء ومعاني الألقاب المبهمة.
التحية
عندما يحيِّي الشخص غيره، يصافحه باليد ويتواصل معه بصريًّا. كما تعبر الانحناءة الشديدة عن الاحترام الجمّ، أما في الظروف العادية، فيكتفي الفنلنديون بإيماءة الرأس. تُعد المصافحة الفنلندية قصيرة وجادة، ولا تحمل أي تعبير عن المساندة، كالتربيت على الكتف أو الجزء العلويّ من الذراع. أما عند تحية زوجين، فينبغي أن تحيّي الزوجة أولاً – باستثناء المناسبات الرسمية، التي ينبغي أن يحيِّي فيها الزوج (أو الزوجة) مضيفيه الذين بعثوا إليه بالدعوة. كما يحيِّي الفنلنديون الأطفال عن طريق المصافحة باليد أيضًا. أما التحية عن طريق المعانقة، فهي أمر نادر في فنلندا. وعندما يحيِّي رجل شخصًا في الشارع، يرفع له قبعته، غير أنه في فصل الشتاء، يكفي أن يلمس بيده طرف القبعة.
وقد يقَبِّل الفنلنديون بعضهم بعضًا كما يفعل غيرهم، بيد أنهم نادرًا ما يحيون بعضهم بعضًا بالقبلات. كما يندر تقبيل الأيدي في فنلندا. وقد يتعانق الأصدقاء والمعارف عندما يلتقون، ولا يُعد تقبيل الخدين غريبًا تمامًا بالنسبة إليهم، غير أن تلك العادة ليست منتشرة في المناطق الريفية. هذا، ولا توجد قواعد لعدد قبلات الخدين، وبالرغم من ذلك، يرى معظم الفنلنديين مبالغة في التقبيل 3 قبلات. ويندر للغاية أن يقبِّل الرجال بعضهم بعضًا عند التحية، كما أنهم لا يقبِّلون الفم مطلقًا كما يفعل جيرانهم الشرقيون.
تناول الطعام
يحتوي المطبخ الفنلنديّ على أطباق روسية وإسكندنافية وأخرى من غرب أوروبا. أما آداب المائدة في فنلندا فهي أوروبية صميمة. فمن الممكن أن تكون وجبة الإفطار غنية. ثم يتناول الفنلنديون وجبة خفيفة بين الساعة 11:00 و13:00 ظهرًا، وهي وجبة خفيفة أثناء العمل تقلّ مدتها عن ساعة. وقد تقلصت وجبة غداء العمل الطويلة الشائعة إلى 90 دقيقة أو ساعتين فقط. ويتناول الفنلنديون وجبة المساء في منازلهم من الساعة 17:00 وحتى 18:00. وفي معظم المطاعم، تُقدم وجبة العشاء بدءًا من الساعة 18:00. غير أن كثيرًا من المطاعم يتوقف عن تقديم الطعام قبل موعد الغلق بـ 45 دقيقة، لذا من الضروري أن تراجع مواعيد تقديم الطعام عند حجز طاولة بأي مطعم. عادة ما تبدأ الحفلات الموسيقية والعروض المسرحية في الساعة 19:00، ثم يذهب الحضور إلى المطاعم في الساعة 22:00.
ونادرًا ما يجد الزوار الغربيون أطباقًا غير مألوفة بالنسبة إليهم في قوائم الطعام الخاصة بالمطاعم أو حتى في أي منزل. وبفضل الوعي الغذائيّ المتزايد، أصبحت الوجبات الفنلندية – التي كانت قبلاً دسمة – خفيفة، كما صارت المطاعم الجيدة مستعدة لتلبية العديد من المتطلبات الغذائية. كما وفرت المطاعم التي تنتمي إلى جنسيات مختلفة، والتي يزداد عددها بصفة مستمرة، خيارات إضافية متنوعة. وبالإضافة إلى ذلك، يشرب الفنلنديون الجعة والنبيذ مع وجبة المساء في المطاعم، أما في أوقات وجبة الغذاء – في أيامنا هذه – فيقل تناولها إن وجدت.
ولكن ماذا عن حفلات العشاء؟ في تلك الحفلات، يقرر المضيف ترتيب الحاضرين في الجلوس إذا لزم الأمر. ويجلس ضيف الشرف على يمين المضيفة، أو على يمين المضيف إذا كان الحفل خاصًّا بالرجال فقط. بيد أن معظم الفنلنديين يقلقون من الجلوس على هذا المقعد، وذلك لأن ضيف الشرف ينبغي أن يقول بعض كلمات الشكر للمضيف بعد تناول الطعام. هذا، وينبغي ألا يبدأ الضيوف في الأكل حتى يُقَدَّم الطعام لجميع الحاضرين، وعادة ما يقترح المضيف أن يشربوا نخبهم في بداية الوجبة، متمنيًا لضيوفه hyvää ruokahalua, وهو التعبير الفنلنديّ الذي يقابل عبارة “bon appétit” أي “وجبة شهية”! ولا يليق بالضيوف أن يشربوا قبل ذلك، إلا إذا تأخرت الوجبة لفترة طويلة.
كما يندر أن يلقي الفنلنديون كلمات أثناء تناول الطعام، غير أنهم يفعلون ذلك في المناسبات الرسمية. وفي مثل هذه الحالات، تتخلل الكلمات الفترات بين تناول طبق والآخر. وأثناء تناول الطعام، قد يشرب المضيف نخب أحد ضيوفه، أو قد يشرب الضيوف نخب بعضهم البعض، ويتم ذلك عن طريق رفع الكؤوس والتواصل البصريّ. وبعد أن يشربوا النخب، يتواصلون بصريًّا مرة أخرى عندما يضعون الكؤوس على الطاولة.
وعادة ما يحتسي الفنلنديون القهوة في ختام وجباتهم، ثم تُقدَّم المشروبات التي يتناولونها بعد الطعام مع القهوة أو بعدها مباشرة. إذا سمح المضيف بالتدخين، فتلك هي اللحظة المناسِبة لتدخين السجائر والسيجار، إلا إذا كان المضيف قد سمح بها أو قدمها بالفعل من قبل. وعندما يترك الضيوف المائدة، ينبغي أن يشكروا مضيفهم على الطعام حينما يتسنى لهم ذلك، بغض النظر عما إذا كان ضيف الشرف قد قدَّم له الشكر أم لا.
تناول المشروبات
أما عن الكحوليات، فيحتسي الشخص الفنلنديّ ما يزيد قليلاً عن 10 لترات من الكحول النقيّ سنويًّا، أي ما يقرب من المعدل الأوروبيّ. هذا، ويتبع الفنلنديون نفس عادات احتساء المشروبات الأوروبية والإسكندنافية. أما السمات القومية لتلك العادات، فهي أقل مما يظن المرء، بخلاف أن الفنلنديين مشهورون بسمعتهم في تناول المشروبات الكحولية، بل ويُعرفون بالنهم في تناولها، كما هو الحال بالنسبة إلى شمال أوروبا وأجزاء من إنجلترا.
غير أن معدل تناول النبيذ والجعة في مقابل المشروبات الكحولية الأخرى، قد ارتفع في السنوات الأخيرة، وكنتيجة لذلك، أصبحت عادات الشرب المهذبة أكثر شيوعًا. ويُعدّ تناول المشروبات الكحولية أثناء الغداء أقل شيوعًا في عالم الأعمال مما كان عليه من ذي قبل، أما في القطاع العام، فيندر تناولها.
كما يختلف معدل احتساء المشروبات الكحولية بناءً على الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية، ويعتمد على المنطقة التي يقطن فيها الشخص إلى حد ما. ويظهر تأثير عادات الشرب الخاصة بوسط أوروبا ودول البحر المتوسط بين البالغين الذين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة في المناطق الحضرية، وكذلك بين كبار السن الفنلنديين الحاصلين على تعليم عالٍ.
هذا، وتتحكم شركة الكحوليات الوطنية في استيراد وبيع المشروبات الكحولية، وبإمكان الأفراد شراء المشروبات الكحولية من المحالّ المخصصة لذلك، فيما عدا الجعة التي تحتوي على نسبة متوسطة من الكحول ومشروب التفاح، والتي يمكن شراؤها من محال بيع الأطعمة. وتُعدّ شركة ألكو من أكبر الشركات التي تتاجر في الخمور، كما يوجد لديها مخزون من أجود الأنواع وأفضلها. غير أن كثيرًا من المطاعم تقوم باستيراد الخمور التي تُقدمها من موردين من دول أخرى.
أما في المنازل، فعادة ما تحفظ الخمور لوجبات عطلة نهاية الأسبوع، غير أن الوجبات التي تُعد للضيوف أو التي يتناولها الفنلنديون في المطاعم، غالبًا ما يكون الخمر أحد مكوناتها. وبالنسبة إلى الفنلنديّين الناطقين بالسويدية، فغالبًا، أو بالأحرى دائمًا، ما يسبق الطعام احتساء المشروبات الكحولية، مثل كوب صغير من الشنابس أو الفودكا أو الأكوافيت. ويُعد ذلك جزءًا لا يتجزأ من وجبة السمك البارد، كما أنه ضروري للغاية مع وجبة جراد البحر. وقد اعتاد الفنلنديون المتحدثون بالسويدية على إحياء المناسبة من خلال غناء بيت أو اثنين من إحدى الأغاني الخاصة بتناول المشروبات الكحولية قبل تناول كل كوب صغير من الشنابس. وفي حفلات العشاء الكبيرة، يُعَيَّن “رئيس النخب” الذي يحدد الفترات التي تتخلل تناول أكواب الشنابس الصغيرة، كما يقود الغناء. أما الفنلنديون المتحدثون بالفنلندية، فلديهم قواعد أقل نظامًا ووضوحًا فيما يتعلق باحتساء الشنابس، بالرغم من وجود أغانٍ فنلندية تصاحب تناوله أيضًا. وعادة ما تُقَدَّم مع الشنابس مياه معدنية أو الجعة في بعض الأحيان، والتي تقدم مع الوجبات. كما تستخدم الجعة لتروي الظمأ الذي تسببه حمامات الساونا.
ومن ثَمَّ، بإمكان الزوار التعامل مع العادات الخاصة باحتساء المشروبات الكحولية بالأسلوب الذي يناسبهم. فليس من الضروري أن تشرب كأسًا صغيرًا من الشنابس في رشفة واحدة، حتى وإن كان الشخص الذي يجلس معك يفعل هكذا. بل يكفي أن ترفع الكأس إلى شفتيك دون أن ترتشف منه. كما أنه يمكنك أن تطلب مياهًا معدنية أو نبيذًا لا يحتوي على الكحول مع الطعام، وهذا أمر مقبول جدًّا. وعادة ما تُقَدَّم مع الغذاء مشروبات غير كحولية، في كل الأحوال. كما تدعم التشريعات الامتناع عن تناول الكحوليات؛ ففي فنلندا، يُعَدّ مستوى الكحول في الدم لدى الأشخاص الذين يقودون سياراتهم في حالة سُكْر منخفضًا، كما يعاقب القانون على ذلك بشدة.
الإكراميات
لم يتناسب دفع الإكراميات بصورة كبيرة مع أسلوب الحياة الفنلندية. وقد كان ذلك نتيجة للتقاليد الدينية التي تحث على حسن التدبير، أما اليوم، فيرجع ذلك إلى أن ثمن أي شيء يتضمن كافة أنواع الخدمات، أي يرى الناس أن ثمن الخدمات مدفوع ضمنيًّا. وبالرغم من ذلك، توجد إكراميات في فنلندا، ولا يضايقك ذلك، فبينما لا يعترض أحد على أخذ الإكراميات، قد يتضايق القليلون إذا لم تُدفع لهم إكراميات.
هذا، وتتضمن فواتير المطاعم ثمن الخدمة المقدَّمة. غير أنه غالبًا ما تضاف رسوم خدمة إضافية إلى الفواتير التي ينبغي أن يدفعها أصحاب العمل الخاص بالعميل. أما الأشخاص الذين يدفعون ثمن وجباتهم نقدًا بأنفسهم، فيفضلون أن يقرِّبوا إجمالي الفاتورة إلى أقرب رقم صحيح. ولا يتطلب ذلك قيام العميل بعمليات حسابية معقدة، إذ لا يكترث أحد بما إذا كانت الإكرامية تعادل 10 أو 15% من إجماليّ قيمة الفاتورة.
أما دفع الإكراميات في الفنادق، فهو أمر نادر الحدوث. ولكن إذا كنت تعلم أنك قد سببت إزعاجًا للشخص الذي يقوم بتنظيف غرفتك، فمن اللائق أن تترك له إكرامية. أما موظفو الاستقبال، فلا ينبغي أن يدفع لهم أحد إكرامية غير النزلاء الذين يترددون على الفندق لفترات طويلة. وبالنسبة إلى الحمَّالين في الفنادق الفنلندية، فهم يسعدون إذا دفعت لهم ثمن كأس صغير من الجعة، مثلهم في ذلك مثل زملائهم في جميع أنحاء العالم. ويمكنك أيضًا أن تترك بعض العملات المعدنية على البار للعاملين في الحانة.
أما سائقو سيارات التاكسي، فلا يتوقعون أن يدفع لهم الركاب إكرامية، غير أن كثيرين من الزبائن يدفعون أقرب رقم صحيح من أجرة التاكسي. كما تقبل سيارات التاكسي الدفع عن طريق بطاقات الائتمان الرئيسية، وفي هذه الحالة، يصبح دفع الإكراميات نقدًا سلوكًا عمليًّا.
وإذا كنت ضيفًا لدى مضيفين فنلنديين، فينبغي عليك أن تترك إكرامية تقديرًا لهم.
التدخين
تقلَّص التدخين خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبح الفنلنديون يتبنون موقفًا أكثر سلبيةً تجاهه. وبالإضافة إلى ذلك، يمنع القانون التدخين في المنشآت العامة وفي أماكن العمل، وبما أن الفنلنديين يلتزمون بالقانون بصفة عامة، فإننا نجدهم يتكيفون مع مثل هذا التشريع. غيد أن التدخين لا يزال شائعًا بين جميع الفئات العمرية. هذا، وقد زادت الاتجاهات العالمية شعبية السيجار بين أقلية من مدخني التبغ.
وقد منعت فنلندا التدخين تمامًا في معظم المطاعم والمنشآت المرخصة الأخرى، كما هو الحال في غيرها من الدول.
وبالرغم من ذلك، من المتوقع مراعاة المدخنين أيضًا. ولكن عندما يُدعى المدخنون لزيارة أي منزل، ينبغي عليهم أن يسألوا مضيفهم إن كان يمانع في أمر التدخين، حتى إذا رأوا مرمدة السجائر موضوعة في مكان ظاهر. وقد يدعو المضيف ضيفه المدخن إلى الوقوف في الشرفة، مما يقلل استنشاق النيكوتين بدرجة كبيرة، وبخاصة إذا كان الجو باردًا.
الزيارات
تُعد المنازل محور الحياة الاجتماعية في فنلندا، إلى حد يزيد على الأقل عن البلدان التي اعتاد مواطنوها أن يلتقوا معًا لتناول الطعام في المطاعم. وثمة أسباب اقتصادية واجتماعية أدت إلى ذلك. فقد أدى الاهتمام المتزايد بالطهي وبالمشروبات الكحولية إلى وجود تسلية أكثر في المنزل. فلا ينبغي أن يشعر أي زائر أجنبيّ بالحرج من دعوته لزيارة منزل شخص آخر، بل يتوقع أن يجد هناك جوًّا من الألفة والراحة والهدوء، كما أنه من اللطيف أن يرسل أو يأخذ معه باقة زهور أو زجاجة نبيذ كهدية لمضيفيه.
ويتمثل أحد التحديات الثقافية الكبرى بالنسبة إلى الزوار في قبول الدعوة لزيارة أحد المنازل الصيفية التي لا حصر لها، والتي تقع على شاطئ البحر أو شواطئ البحيرات في فنلندا. هذا، ويملك شخص من كل 4 أشخاص فنلنديين منزلاً صغيرًا صيفيًّا، ويعد ذلك المنزل الصغير منزلاً ثانيًا بالنسبة إلى الكثيرين منهم. يميل علماء الاجتماع إلى تفسير اقتناء ذلك المسكن الصيفيّ بأنه رابط يحتفظ به الفنلنديون ليعود بهم إلى ماضيهم القرويّ، وفي الواقع يتحول كثير من الفنلنديين إلى صيادين ومزارعين ونجارين وسكان غابات ماهرين، عندما ينتقلون إلى منازلهم الصيفية.
ولا يتوقع أحد أن يشارك الزوار في تلك الأنشطة، بصفة مستمرة على الأقل. غير أنه من ناحية أخرى، ينبغي أن يتكيف الزائر دون شكوى مع ظروف الحياة التي تبدو بدائية أحيانًا في المنزل الصيفيّ، حيث لا يوجد في جميعها تيار كهربائيّ أو مياه جارية أو غُسل المراحيض أو كافة وسائل الراحة الحضرية، كما تَعتبر بعض العائلات التليفزيون غير مناسب لحياة المنزل الصيفيّ الأصيلة.
ومن المتوقع أيضًا أن يرتدي الضيف ملابس عملية غير رسمية عند الذهاب إلى المنزل الصيفيّ. وتتوفر لدى المضيف الأحذية المطاطية ومعاطف المطر والمعاطف الثقيلة التي يرتديها الشخص عندما يتطلب الطقس ذلك، أو عند الذهاب لصيد السمك أو قطف الفطر أو عند المشي في الغابة. هذا ويعلم الضيف الذي لديه خبرة بتلك الأمور مقدار ما يبذله مضيفه، أو بالأحرى مضيفته، في تلك الظروف لتوفر له إقامة ممتعة ومريحة. ويسعد المضيف بأي مساعدة يقدمها ضيفه في القيام بالمهام الروتينية، فمثلاً يُعَدّ تقشير البطاطس أو البصل مهمة يستطيع الضيف القيام بها بأمان تامّ.
وتصبح أفضل مكافأة يحصل عليها المضيف آنذاك أن يستمتع ضيوفه بأوقات المطر أو تحت أشعة الشمس. أما عن القواعد الصحيحة، فينبغي أن يستأذن الضيف مضيفه في الرحيل أثناء تناول وجبة الإفطار في اليوم الثالث، وألا يقبل أن يمكث لفترة أطول إلا إذا أصر مضيفه على ذلك إصرارًا شديدًا.
الوقت وفصول السنة
بالرغم من أننا نرى تعاقب فصول السنة في جميع أنحاء العالم، فإننا نجده في فنلندا يدل حقًّا على مرور العام بوضوح مذهل. وإذ تمتد الأراضي الفنلندية خارج نطاق الدائرة القطبية الشمالية بمسافة كبيرة، نجدها تتمتع بتطرف في درجات الحرارة وطول النهار، فلا يصعب عندها القول بوجود ثقافتين في فنلندا: يهيمن على إحداهما نهار تضيئه شمس الصيف طوال الوقت تقريبًا وترتفع فيه درجة الحرارة ارتفاعًا شديدًا؛ وتتأثر الأخرى بشتاء شديد البرودة وتخيم عليه الكآبة القطبية، التي لا تسمح للشفق بالصمود إلا لفترة وجيزة طوال اليوم.
وبالرغم من أن الصيف يأتي كل عام، فإنه يُعد فصلاً في غاية الأهمية، حيث تغلَق كل المصالح في كافة أنحاء فنلندا تقريبًا أثناء الأسابيع الخمسة أو الستة التي تلي منتصف الصيف، أي في نهاية يونيو. إذ بعد منتصف الصيف، ينتقل الفنلنديون ويجتمعون في منازلهم الصيفية في الريف، أما الأشخاص الذين لا يقضون أوقاتهم خارج المنزل، في المقاهي أو الحانات، أو في الحدائق أو على شاطئ البحر والبحيرات، فيمارسون أنشطة اجتماعية ويتمتعون بقدر كبير من الإيجابية. كما قد تؤجَّل المراسلات الشخصية ومراسلات العمل مؤقتًا، وتُرسَل إخطارات البريد الإلكتروني بأن المرسل إليه “خارج المكتب” لمدة شهر أو أكثر، وكذلك تدور المحادثات بين المعارف حول عضات الأسماك وحال حديقة المنزل، أكثر منها حول الموضوعات المهمة التي تتعلق بالسياسة الدولية أو بالاقتصاد. ومن السهل على الزائر أن يلاحظ كم يفخر الفنلنديون ببلدهم وبالعيش فيها، وبخاصة في فصل الصيف، كما أنهم يرحبون بتعزيز تلك المشاعر.
ثم يقترب الشتاء، فيغلق الفنلنديون منازلهم الصيفية ويخزنون قواربهم في أحواض جافة، ويزوِّدون سياراتهم بالإطارات المخصصة للجليد، ويحفظون معدات الجولف في الطوابق السفلى، ويتأكدون من سلامة زلاجاتهم. وبينما كان أسلاف الفنلنديين الحاليين، الذين سكنوا القرى، يقضون أيام الشتاء الطويلة في عمل وإصلاح الأدوات التي يستخدمونها في الصيف، نجد أحفادهم يعملون في المكاتب ليجعلوا من بلدهم أعجوبة حديثة ومتطورة تتسم بالتقدم التكنولوجيّ.
وبالإضافة إلى ذلك، يتسم الفنلنديون بالدقة في مراعاة المواعيد، ومن ناحية أخرى يمكن وصفهم بأنهم أسرى الوقت. وكما هو الحال في جميع أنحاء العالم، نجد الأشخاص الذين يشغلون وظائف مهمة لديهم جداول يومية مزدحمة بالمواعيد. وقد يسبب لهم عدم القدرة على الالتزام بجميعها شعورًا بالأسى. وعليه يتم الاتفاق على مواعيد الاجتماعات بدقة بالغة، بالدقيقة إن أمكن، ومن ثم يُعَدّ التأخر عن الموعد لأكثر من 15 دقيقة سلوكًا غير مهذب يستلزم تقديم اعتذار قصير أو ذكر سبب لذلك. كما تبدأ الحفلات الموسيقية والعروض المسرحية وغيرها من الفعاليات العامة في المواعيد المحددة لها، ويندر أن يحدث تأخير في القطارات ومواعيد سير حافلات نقل الركاب.
وبصفة عامة، أصبحت المشغولية وستظل السمة المميزة للحياة الفنلندية، كما تُعَدّ المفكرة المليئة بمواعيد الاجتماعات والمفاوضات من دواعِي الفخر وعلامةً على الوضع الاجتماعيّ في فنلندا، وليست دليلاً على سوء تنظيم المواعيد. وفي مثل ذلك المناخ، يُعَدّ الوقت المخصص لإمتاع الضيوف وتسليتهم إحدى الإشارات المهمة لقيمة المناسَبة. وعندما يتوقف شخص فنلنديّ عن النظر إلى ساعته ويقترح تناول أحد الأطعمة أو المشروبات أو أخذ حمام ساونا، يطمئن الضيف إلى أن علاقات العمل أو الصداقة تلك تتوطد وستستمر.
الأعياد والاحتفالات
وبالإضافة إلى ذلك، نجد أن الفنلنديين يحبون الاحتفالات، ولا تختلف الاحتفالات الرسمية الفنلندية كثيرًا عن غيرها في الدول الأوروبية الأخرى. ويتمثل أحد تلك الاختلافات الرئيسية في أن التقويم اللوثريّ لا يشمل كافة الأعياد الكاثوليكية. وقد يتعجب الزوار عندما يجدون الاحتفالات الفنلندية هادئة وجادة في المناسبات التي قد تتسم بالصخب والبهجة في معظم الدول الأوروبية.
فنجد عيد الميلاد المجيد، وبخاصة ليلة عيد الميلاد، احتفالاً عائليًا في فنلندا يقضيه الفنلنديون في منازلهم أو مع الأقارب. وتشمل العادات في ذلك العيد إضاءة الشموع على قبور أفراد العائلة المتوفين. هذا، ويتمنى الفنلنديون لبعضهم البعض عيد ميلاد سعيدًا، لكن التعبير الفنلندي في هذه المناسبة هو “عيد ميلاد مليء بالسلام”. وبصفة عامة، يُعَدّ عيد الميلاد المجيد يومًا هادئًا، ولا يعود أسلوب الحياة الذي يتسم به موسم عيد الميلاد قبل حلول يوم الصناديق.
كما يحتفل الفنلنديون بعيد الاستقلال في السادس من ديسمبر، وتتسم هذه المناسبة بالاحتفالات المهيبة. ففي هذا اليوم، يتذكر الفنلنديون الأبطال الذين سقطوا قتلى في الحروب لحماية استقلال فنلندا الذي تحقق في عام 1917. في مساء ذلك اليوم، يقيم رئيس الجمهورية الفنلندية احتفالاً يستضيف فيه حوالي 2000 شخصٍ، من ضمنهم أعضاء السلك الدبلوماسيّ في فنلندا، وقد أصبحت مشاهدة ذلك الاحتفال على شاشة التليفزيون تسلية ممتعة بالنسبة إلى الشعب الفنلنديّ كافة.
أما في فصل الشتاء، فيُعد ثلاثاء “الرفاع” (وهو آخر يوم يسبق الصوم المقدس مباشرة)، المناسبة الاحتفالية الوحيدة التي نجد فيها الفنلنديين يقِيمون احتفالات عامة، بيد أن احتفالاتهم تلك لا ترقى لأن تكون انعكاسًا باهتًا للاحتفالات التي تقام في الدول التي تقع جنوب فنلندا. ومن المنطقيّ أن تكون الاحتفالات الأكثر صخبًا في الأوقات التي تتسم بطقس دافئ. كما يُعَدّ الأول من مايو، وهو يوم يحتفل به العاملون والطلاب، محاكاة لثلاثاء الرفاع في شمال أوروبا. أما منتصف الصيف (اليوم الذي لا يرى ليلاً)، فهو مناسبة للاحتفالات والحبور، إذ يعتبره معظم الفنلنديين بداية العطلة الصيفية، وينتقلون فيه للإقامة في منازلهم الصيفية في الريف.
حمامات الساونا
فالشعب الذي يبلغ عدده 5 ملايين نسمة ولديه 1.5 مليون حمام ساونا، لا يحتاج أن يتعلم كيف يستمتع بحمامات الساونا، حيث يتعلم الفنلنديون استخدام الساونا كما يتعلمون الكلام في المهد. ومن اللطيف أن يذهب الزائر إلى حمام الساونا لأول مرة برفقة أحد المعارف أو الأصدقاء الفنلنديين، وليس عن طريق اتباع مجموعة من التعليمات الميكانيكية والتي تجعل من حمام الساونا مجرد حفرة فحسب.
وفي فنلندا يستخدم كل من الرجال والنساء حمامات الساونا، لكنهم لا يستخدمونها معًا، إلا إذا ذهب إليها أفراد العائلة معًا، إذ لا توجد حمامات ساونا مشتركة في فنلندا. وبالنسبة إلى الزائر الذي يتردد في الذهاب إلى حمام الساونا، يتعين عليه أن يتذكر أنه إذا تم رفع درجة الحرارة في الحمام خصيصًا له، فهذا من دواعِي فخر مضيفه، ولا يقبل مضيفه اعتذارًا عن تجربتها إلا لأسباب طبية.
وبالرغم من أن حمامات الساونا مألوفة لدى جميع الفنلنديين، فإن كل شخص يستمتع بالاستحمام فيها بطريقته الخاصة. غير أنك لا تجد أحدهم يقول للآخر إن ما يفعله خطأ، حيث يتعلق هذا الأمر برغبة كل شخص وبما يفضله. وتُعَدّ هذه قاعدة ذهبية بالنسبة إلى الزائر أيضًا: استمع لجسمك واتبع إيقاعك الخاص في التنقل بين الغرفة الساخنة وغرفة الاستحمام والهواء الطلق، وينطبق ذلك على الاستحمام في البحر أو في البحيرة. ومن المفيد أن يتبع المرء ما يفعله الآخرون، ولكن يفضَّل أن تتجنب السلوك المتطرف: حيث يظهر بعض الفنلنديِّين صلابةً ومثابرة، إذ يقضون فترات طويلة في حمامات الساونا شديدة الحرارة. وفي مثل هذه المواقف، من الفطنة أن يخرج الزائر لتناول بعض المشروبات والتمتع بذلك المشهد. ومن ناحية أخرى، يستمتع الزوار كثيرًا بالاستسلام للطقوس غير المعروفة لديهم بعقل منفتح. فقد يكون الشعور بضرب على الجلد بحزمة من أوراق البتولا الناعمة في حرارة غرفة البخار خبرة علاجية لطيفة.
بيد أن الساونا ليست مكانًا يمكن ارتياده في عجالة. فعندما ينتهي حمام الساونا، من المعتاد أن يستمر الشخص في الحديث مع الآخرين واحتساء المشروبات، وربما يتناول وجبة خفيفة أيضًا. هذا، ويستمع الفنلنديون باهتمام شديد إلى الضيوف عندما يتحدثون عن خبرتهم الخاصة بحمامات الساونا، إذ لا يملّون من الحديث عن هذا الأمر.
تأليف: البروفيسور أولي ألهو، نوفمبر 2002، وتم التحديث في مارس 2010
الرسوم التوضيحية: ميكا لاونيس