في خريف عام 1908، اشتعلت الأمور في هلسنكي عندما ثار جدل فني – بل قد نسميه فضيحة – بشأن نافورة جديدة صممها فيل فالجرين (1855-1940).
وقد صمم نافورته المنحوتة بإتقان بارتفاع خمسة أمتار على شكل أنثى عارية بالغة الجمال مُحاطة بأسود البحر والأسماك التي تنفث الماء في حوض ماء دائري واسع.
وقد حقق النحات الفنلندي مسيرة مهنية حافلة في باريس، حيث فاز بالجائزة الكبرى في المعرض العالمي لعام 1900. ومع ذلك، فقد اتُّهِمَ حاليًا بفرض فن أجنبي غير لائق على الجمهور الفنلندي.
الوجهة الرئيسية للاحتفالات
وقال فالجرين إن التمثال يمثل عذراء غرقت في البحر، وخرجت منه كحورية تلقي نظرة أخيرة على البحر. واقترح الاسم السويدي اللاتيني الهجين هافيس أماندا، الذي يعني “حبيبة البحر”.
يقول المهندس المعماري ميكو ليندكفيست من متحف مدينة هلسنكي أن: “التمثال يمثل رمزًا للمدينة”. “لقد نشأت هلسنكي على البحر، تمامًا كما خرجت هافيس أماندا من أمواج النافورة.”
في وقت سابق، ظهر تقليد احتفالي للطلاب يتمثل في وضع قبعة التخرج على رأس هافيس أماندا لبدء احتفالات عيد العمال (المعروف باسم فابو بالفنلندية).* وفي العقود الأخيرة، أصبح الموقع وجهة رئيسية للاحتفالات بعد الأحداث الرياضية كلما فازت فنلندا بحدث رياضي كبير مثل بطولة العالم لهوكي الجليد.
[ملاحظة المحرر: تُصوِّر الرموز التعبيرية الوطنية الفنلندية، التي قدمتها ThisisFINLAND في الأصل، هذه الاحتفالات باستخدام رمز “Torilla tavataan” (أراك في الميدان)، الذي يصور هافيس أماندا والمشجعين الذين يلوحون بالأعلام.]
ردود الفعل السريعة
صنع فالجرين التمثال البرونزي عام 1906 في باريس، حيث نال استحسانًا في معرض الصالون قبل نقله إلى هلسنكي. حيث احتل موقعًا متميزًا في ساحة السوق بجانب الميناء.
جاءت ردود الفعل – المؤيدة والمعارضة – سريعًا. فقد قارن المدافعون عن النصب التذكاري بينه وبين لوحة ولادة فينوس لبوتيتشيلي، التي تصور أيضًا أنثى خرجت للتو من البحر.
في حين طالبت الناشطة النسوية لوسينا هاجمان، التي أصبحت من أوائل البرلمانيات في العالم في عام 1907، بإزالة التمثال، واصفةً إياه بأنه “فاحش وبذيء”.
في حين اعترض البعض لإنه لا يمثل فنلندا، لافتين إلى أن أسود البحر والأسماك من فصائل غريبة. وقد صُمم الشكل الأنثوي على غرار اثنتين من الباريسيات.
للمتعة فقط
كان هذا العمل الفني الذي أطلق عليه في نهاية المطاف اسم مانتا، هو أول عمل فني عام من نوعه في فنلندا قبل استقلالها، حيث كانت إحدى الدوقيات الكبرى المستقلة في الإمبراطورية الروسية قبل عام 1917.
وكما تقول بولينا سيمينوفا، المسؤولة الرئيسية عن ترميم النافورة، من متحف مدينة هلسنكي: “كان هذا أول تمثال صُنع من أجل المتعة فقط. فقد كان الأمر مثيرًا للتساؤل لدى بعض الناس – مثلاً: “لماذا نهدر المال على هذا الأمر؟”
يقول ليندكفيست: “كان يُنظر إلى العمل على أنه أمر مستفز في عام 1908، ولكن سرعان ما بدأ الجمهور يُقدّره ويقبله. حيث يجتمع الطلاب حول مانتا للاحتفال بعيد العمال، وهو تقليد لا يزال مستمرًا إلى الآن. وغالبًا ما يحتفل مشجعو هوكي الجليد وغيرها من الرياضات الأخرى بالألقاب الدولية حول هافيس أماندا بأسلوب كرنفالي.”
وعلى مرّ السنين، تسبب تسلق المشجعين الرياضيين للتمثال في إلحاق الضرر به – ولهذا السبب يخضع العمل الفني لعملية ترميم.
هواء أنقى
في مايو 2023، أشرفت سيمينوفا على نقل النافورة إلى موقع سري بالقرب من هلسنكي لترميمها، بما في ذلك تنظيفها بالليزر وطلائها بالشمع لحمايتها واستعادة لونها الداكن المتناسق.
تقول سيمينوفا: “في السبعينيات والثمانينيات، تحول لون الطلاء إلى اللونين الأزرق والأخضر بسبب كثافة الحركة المرورية وتلوث الهواء”. “ولحسن الحظ، أصبح هواء المدينة أنقى منذ ذلك الحين.”
الترميم والحماية
لم يكتشف المرمّمون أي ضرر بالغ أثناء عملية الترميم، على الرغم من أنهم وجدوا خدوشًا وشقوقًا صغيرة، بالإضافة إلى ثقب تم حفره بطريقة بدائية بالقرب من قدمي أماندا، وكان على ما يبدو لمشروع إضاءة منسي منذ فترة طويلة.
تقول سيمينوفا: “كان جزء من القاعدة، التي نطلق عليها اسم “الكعكة”، متمددًا قليلاً بسبب قفز الحشود عليها، لذا قمنا ببعض اللحامات لدعمها”.
“ولكن نأمل ألا يقفز الجمهور عليها مجددًا. سيوضع حولها غلاف خشبي واقي كلما كان هناك احتفال رياضي كبير.” ماذا عن فابو؟ “لم يشكل عيد العمال مشكلة في الآونة الأخيرة، لأنه منظم بشكل جيد كما تستخدم رافعة لوضع قبعة الطلاب التقليدية على الرأس”.
أكثر روعة
سيُعاد افتتاح النافورة في أغسطس 2024، ولكن ربما بفوهات معدلة قليلاً لرش المزيد من الماء حول النافورة.
وتُضيف سيمينوفا: “إذا نظرت إلى الصور القديمة، ستجد أن الرش كان أكثر روعة، وهذا ما نأمل أن نستعيده”.
لقد وجد المرمّمون خاتمًا يعود طرازه لعام 1987 مثبتًا في القاعدة، فضلاً عن عملات معدنية من جميع أنحاء العالم أُلقيت في النافورة لجلب الحظ
ثمة شيء ما في عينيها
وأضافت قائلة: “كشفت عملية التنظيف عن الكثير من تفاصيل دقيقة رائعة، مثل حيوانات على القاعدة لم ألاحظها من قبل، ونوع من الحبار أو الأخطبوط”. “لاحظنا أيضًا أن سمكتين من السمك مقصود أن يكونا ذكرين، والسمكتين الأخريين أنثيين. وهذه الأجزاء مخفية لا يمكنك رؤيتها عادةً، لذا ربما كان ذلك نوعًا من الأسرار الدفينة.”
وخلال فصل الشتاء، ربما أمضت سيمينوفا وقتًا أطول مع مانتا في المستودع أكثر من أي شخص آخر منذ فالجرين. ما الطبيعة التي لمستها في هذه الشخصية المشهورة المثيرة للجدل؟
تقول: “أنا أتصورها شخصية لطيفة ورقيقة للغاية”. “ثمة شيء ما في عينيها لا يمكنك رؤيته عادةً إلا عن قرب.”
بقلم ويف ستينجر، أبريل 2024
*في حين لا تزال هافيس أماندا في ورشة العمل ستكون البداية التقليدية لاحتفالات عيد العمال في هلسنكي عام 2024 في ساحة المواطنين، الواقعة بين مركز الموسيقى والمكتبة المركزية “أودي”. سمعنا شائعة تقول إن أحد الأشخاص في ورشة العمل قد يضع قبعة التخرج على رأس التمثال ليشعر التمثال بأنه في مكانه المعتاد.