فنلندا بلد يتسم بطبيعته بالتنوع والتعدد، حتى إنه يصعب وصفه بكلمة واحدة سوى أنه “متباين”.
أفضل مثال على ذلك التباين والتناقض يتضح جليًّا في فصول السنة. فتجد نفس البحيرة، التي يأتي إليها الناس للسباحة والإبحار في الصيف، قد صارت حلبة رائعة للتزلج أو التزحلق في الشتاء. تطول ليالي الصيف الدافئة تدريجيًّا حتى ينقشع الثلج، ثم يذوب الفجر المتأخر في غروب الشمس المبكر ويختلط به في منتصف الشتاء، في ذلك الفصل الذي يطلق عليه الفنلنديون اسم “الليل القطبي” kaamos.
ويتركز السكان في جنوب فنلندا، وبخاصة في هلسنكي والمناطق المحيطة بها، والتي يقطن فيها حوالي مليون نسمة. أما في الطرف الآخر من البلاد، فتقع الغابات الشاسعة والجبال التي لا يسكنها أحد، والتي تقع في لابلاند في القطب الشماليّ.
غير أن المشهد يتغير على نطاق أضيق، فالمياه ليست بعيدة بالمرة. كما توجد غابات كثيفة في أماكن قريبة أيضًا. ليس هذا فحسب، بل يمكنك أيضًا أن تجد مستنقعات أو مزارع بالقرب منك أينما كنت. تشكل كل تلك المناظر الطبيعية جزءًا من طبيعة فنلندا الخلابة المتنوعة.
في منتصف الشتاء، يغطي الجليد والثلج معظم أنحاء فنلندا. ففي شهر فبراير، الذي يُعدّ أكثر شهور السنة برودة، يصل متوسط درجة الحرارة إلى حوالي -7 درجات في الجنوب و-13 درجة في الشمال.صورة: مجلس السياحة الفنلنديّ (FTB)
في جنوب ووسط فنلندا، تجد صيفًا دافئًا يستحم فيه الناس في البحيرات، وكذلك بالقرب من شواطئ بحر البلطيق.صورة: بلوجي/بتري جوهيينن
تقع فنلندا في أقصى شمال الكرة الأرضية على نفس خط العرض الذي تقع عليه ألاسكا أو سيبيريا الوسطى. كما تقع ربع مساحة البلاد تقريبًا شمال الدائرة القطبية.
بالطبع قد تظن، بعد ما عرفته عن موقع فنلندا، أنها تتكون من مناطق قطبية باردة يتجول فيها الدب القطبيّ. بيد أن الحقيقة، لحسن الحظ، تختلف تمامًا، حيث يجلب التيار المحيطيّ، المعروف باسم جرف شمال الأطلسيّ، الهواء الدافئ إلى فنلندا، حتى إن متوسط درجات الحرارة في الجنوب يصل إلى 5 درجات مئوية، أما في الشمال فيقل درجتين فقط عن الصفر.
وبالرغم من ذلك، يُعدّ الشتاء في فنلندا باردًا لدرجة أن البحيرات تتجمد خلال الشهور شديدة البرودة. كما تتجمد أيضًا المياه الساحلية لبحر البلطيق، ويغطي الثلج الأرض لعدة أشهر.
أما في فصل الصيف، فقد ترتفع درجة الحرارة لتصل إلى 25 أو 30 درجة مئوية. ومن ثم، يصبح موسم نمو النباتات قصيرًا نسبيًّا، إذ يتراوح بين 3 و4 أشهر فقط.
تكيفت الطبيعة، على مر العصور، مع التقلبات الموسمية الواضحة في فنلندا، فمعظم الحيوانات والنباتات التي تعيش في فنلندا تكمن في فصل الشتاء، كما أن ثلاثة أرباع الطيور التي تعيش فيها هي طيور مهاجرة.
وعلى خريطة العالم، تقع فنلندا بين الشرق والغرب، ويجمع مناخها بين التأثيرات القارية من الشرق، والتأثيرات البحرية من المحيط الأطلنطيّ إلى الغرب.
ويتضح تأثير ذلك العامل المناخيّ في نوعية النباتات والحيوانات التي تعيش في فنلندا. فنجد أنها موطن الأنواع المرتبطة بمنطقة التايغا الأوراسية القارية، مثل البوم الأوروبيّ وشاي لابرادور، والأنواع البحرية بما في ذلك كثير من الطيور المخوضة والطيور المائية.
تتضمن العناصر الأساسية للمناظر الطبيعية في فنلندا الغابات والمياه المفتوحة، والتي غالبًا ما تتفاعل في مشهد خلاب.صورة: بلوجي/يان إلورانتا
كانت فنلندا، خلال العصر الجليديّ الأخير، مغطاة بالكامل بغطاء جليديّ قاريّ سميك. وقد سارت تلك الكتلة بطيئة الحركة من الجليد تحت الصخور والمنحدرات لتحفر مسارًا للبحيرات. وقد رسبت أنهار المياه الذائبة تحت الجليد تلالاً من الرمال والحصى، التي تقف الآن فوق المناطق المحيطة بها على شكل كثبان جليدية، قد يمتد طولها إلى عشرات الكيلومترات.
غير أن تلك الكثبان الجليدية ليست مرتفعة للغاية، إذ يندر أن يبلغ ارتفاعها أكثر من مائة متر. هذا، ولا توجد في فنلندا بصفة عامة عناصر ضخمة مثل الجبال العالية، أو المنحدرات البحرية الحادة، أو الأنهار الواسعة. بل تبدو الطبيعة لطيفة وتتشكل من عناصر صغيرة متنوعة.
وترتفع التضاريس كلما اتجهت شرقًا وشمالاً. وتظهر أكبر الاختلافات في الارتفاع في لابلاند، التي ترتفع فيها كثير من قمم الجبال فوق خط الأشجار.
أما التربة، فهي رقيقة بصفة عامة، إذ يبلغ متوسط عمقها فوق صخر الأديم 7 أمتار فقط بسبب التآكل الجليديّ. ليس هذا فحسب، بل تظهر أيضًا صخور الأديم الجرانيتية القديمة، في أماكن كثيرة، مستديرة وناعمة تحت البروز الصخريّ.
وبسبب ضعف التربة وقصر فصل نمو النباتات، ليست الظروف مواتية للزراعة. بالإضافة إلى ذلك، ليست فنلندا مستقرة بدرجة كبيرة، وفقًا للمعايير الأوروبية، إذ يبلغ متوسط الكثافة السكانية فيها عُشر متوسط الكثافة السكانية في ألمانيا أو بريطانيا أو إيطاليا.
أدت العصور الجليدية المتعاقبة والمناخ البارد إلى تكوين مساحات واسعة من المستنقعات والأراضي الرطبة في جميع أنحاء فنلندا.صورة: بلوجي/توماس هاينونن
تُعدّ فنلندا الدولة الأوروبية الأولى من حيث مساحة الغابات فيها، إذ تغطي الأشجار حوالي 70% من مساحتها. بالإضافة إلى ذلك، معظم غابات فنلندا صنوبرية، إذ تقع فنلندا على الحافة الغربية لمنطقة غابات التايغا الصنوبرية، التي تمتد شرقًا في روسيا وسيبيريا.
هذا، ولا تزال الغابات طبيعية، أي يمكن القول بأنه لم تزرع فيها أي أشجار من مناطق أخرى. أما أكثر الأشجار انتشارًا فيها، فهي أشجار الصنوبر البريّ، والتنوب والبتولا النرويجية، بالرغم من أن الغابات تتخللها أيضًا أشجار الحور وجار الماء والغبيراء.
كما تنتشر كثيبات النمال الرائعة في غابات فنلندا الصنوبرية.صورة: بلوجي/توني بيهكانن
ينمو التوت بكثرة في الأراضي الرطبة في وسط وشمال فنلندا.صورة: مجلس السياحة الفنلنديّ FTB / بيكا لاكولا
توجد أربعة أنواع من الطيهوج في غابات ومستنقعات فنلندا، وهي الطيهوج الكبير (المصور هنا) والطيهوج الأسود والطيهوج البندقيّ والطيهوج الصفصافيّ. أما الطيهوج الخامس – الترمجان، فيعيش على جبال لابلاند المفتوحة.صورة: مجلس السياحة الفنلنديّ FTB
بالرغم من أن الغابات تضم أنواعًا قليلة من الأشجار، فهي تختلف كثيرًا عن بعضها البعض. وقد تتجاور غابات التنوب مع غابات الصنوبر التي تضيئها الشمس، والتجاويف المستنقعية والصخور السفلية المفتوحة، في بعض المساحات الصغيرة منها.
تتسم كثير من الغابات بالرطوبة والتربة الطينية، لذا قد توصف بأنها مستنقعات. هذا، وتغطي مختلف أنواع المستنقعات ثلث مساحة فنلندا. وتتكون سدس هذه المساحة من أراضٍ طينية ليست فيها أشجار. غير أن نصف مستنقعات فنلندا تقريبًا قد استُنزفت في وقت ما لزيادة إنتاج الأخشاب.
هذا، وتملك تلك الغابات والمستنقعات بعضُ عائلات المزارعين، الذين يديرون غاباتهم، ويقطعون الأخشاب طبقًا لقوانين صارمة إلى حد ما تحكم قطع الأخشاب. ولا توجد في غابات فنلندا مناطق تحتوي على نوع واحد فقط من الأشجار. قد يظن بعض الزوار الأجانب خطأً أن جميع غابات فنلندا طبيعية بالكامل،غير أنها في الواقع كانت تُستغل باستمرار وبطرق عدة على مدار قرون من الزمن.
وهناك حوالي 8% من غابات فنلندا محمية. تقع معظم المساحات المحمية في الشمال.
توجد بحيرات في كافة أنحاء فنلندا، بيد أن المنطقة التي تحتوي بالفعل على كثير من البحيرات تقع في الشرق، حيث تغطي المياه، في أماكن كثيرة منها، أكثر من ثلث مساحة الأرض.صورة: زيارة فنلندا/ترهي إليمينن
تشتهر فنلندا بأنها دولة الألف بحيرة، غير أنه يوجد فيها بالفعل عشرات الآلاف من البحيرات، غير أن معظم هذه البحيرات صغيرة وضحلة. يبلغ متوسط عمق البحيرات 7 أمتار.
حتى في أكبر البحيرات، مثل بحيرة سيما التي تقع في الجنوب الشرقيّ، تقطع المياه العديد من الجزر وشبه الجزر. ومن المدهش أنك قد لا تستطيع أن تعرف حدود البحيرات، أي نهاية إحداهن وبداية الأخرى.
وينطبق نفس الشيء على ساحل فنلندا، والذي يتسم بوجود حوالي 95،000 جزيرة، معظمها جزر صخرية صغيرة. يقول البحارة إن مياه الأرخبيل الجنوبيّ الغربيّ، التي تبدو كالمتاهة، يمثل الإبحار فيها تحديًا كبيرًا.
هذا، ويبلغ إجماليّ طول الساحل 40،000 كيلومتر، بما فيه شواطئ الجزر. غير أن شواطئ البحيرات أطول، إذ تبلغ في مجملها حوالي 130،000 كيلومتر. يعني هذا أن فنلندا لديها 32 مترًا من الشواطئ لكل مواطن! وقد اعتاد الفنلنديون أن يجدوا المياه المفتوحة بالقرب منهم أينما كانوا.
كما يُعدّ وجود المياه الكثيرة مفيدًا للطيور أيضًا. ففي فصل الصيف، حيث الأراضي الرطبة، تعيش الطيور المائية والعديد من أنواع البط والطيور المخوضة وطائر الكركي.
وبالطبع، أينما وجدت المياه توجد الأسماك، إذ يوجد في فنلندا 61 نوعًا من الأسماك المحلية، تعيش معظمها في المياه العذبة. ومن العجيب أن كثيرًا من أسماك البحيرات تستطيع أن تعيش في مياه بحر البلطيق، حيث تقل نسبة ملوحة المياه.
تتسم جبال لابلاند القطبية بتموجات خفيفة.صورة: هانو فالاس
تُعدّ لابلاند، التي تقع في أقصى شمال فنلندا، طبقًا للمعايير الفنلندية، غير مستقرة بدرجة كبيرة. وتشغل لابلاند حوالي 28% من مساحة فنلندا الكلية، غير أنه لا يقطنها سوى 4% من إجمالي عدد السكان.
وتشمل السمات الطبيعية في لابلاند مساحات شاسعة من الغابات البرية، والجبال المفتوحة، والنباتات والحيوانات المتكيفة مع الظروف القطبية القاسية، بالإضافة إلى تنوع في التضاريس لا يضاهيه أي مكان آخر في فنلندا. كما تتجلى الاختلافات بين الفصول هنا أكثر من أي مكان آخر، حيث يتباين الثلج السميك والظلام اللذان يميزان فصل الشتاء تباينًا عجيبًا مع الصيف اللطيف في أرض شمس منتصف الليل.
يظهرظائر الزرياب السيبيري الفضوليّ أينما توقف المتنزهون في لابلاند.صورة: بلوجي / بيتر فورسجارد
كما تتجول حيوانات الرنة شبه الأليفة بحرية بين الغابات والجبال، بحثًا عن النباتات الصغيرة أو أي شيء يصلح كطعام لها.صورة: مجلس السياحة الفنلنديّ FTB
في منتصف شهر سبتمبر، تتلون الزروع والنباتات في منطقة لابلاند بألوان رائعة، أثناء موسم السياحة المعروف لدى الفنلنديين باسم “فترة ألوان الخريف” ruska.صورة: بلوجي/بنتي سورمونن
توجد في لابلاند التلال التي تكسوها الغابات، والجبال المفتوحة. ولا تتجاوز أعلى قمة للتلال 1300 متر، فوق مستوى سطح البحر، غير أنه في أقصى الشمال يصبح خط الأشجار منخفضًا للغاية حتى إن كثيرًا من قمم الجبال لا توجد بها أشجار.
وأول ما تراه عندما تتجه إلى أسفل التلال هو أشجار البتولا الجبلية المنخفضة، تتخللها بعض أشجار الصنوبر. غير أنه لا توجد الغابات الحقيقيةإلا في المناطق الشجرية القليلة، والتي تكثر فيها أشجار الصنوبر أو التنوب. كما قد توجد مستنقعات مفتوحة بين الغابات، منها مستنقعات كبيرة للغاية في المناطق المنخفضة.
وتُعد 30% تقريبًا من مساحة لابلاند محمية، بما فيها أكبر حدائق فنلندا، والتي تمتد مساحة ثلاث منها لأكثر من 1000 كيلومتر مربع. بالإضافة إلى ذلك، يمكن ممارسة رعي الرنة وهي الحرفة المحلية التقليدية التي يعيش عليها البعض، في معظم المناطق المحمية في لابلاند.
كما توجد بعض الحرف المهمة في لابلاند مثل صيد الحيوانات وصيد الأسماك، إلى جانب مجال السياحة المستحدث.
تتميز المدن والبلدات الفنلندية بأنها صغيرة ومنخفضة الارتفاع، كما لا توجد بها ناطحات سحاب. وفي فصل الشتاء، يحب الفنلنديون أن يخرجوا إلى البحر المتجمد، كما يفعلون هنا خارج مدينة هلسنكي.صورة: بنك الإعلام لمدينة هلسنكي/ماتي تيري
تُعدّ فنلندا واحدة من أهم دول أوروبا الريفية، حيث يسكن أكثر من ربع سكانها (1.5 مليون نسمة) في المناطق الريفية. بيد أن معظم سكان الريف لا يعملون بالزراعة، إذ يعيش كثير من الفنلنديين في الريف لكنهم يعملون في المدن. كما توجد في فنلندا حوالي 63،000 مزرعة، ويبلغ متوسط المساحة المنزرعة فيها 35 هكتارًا. ليس هذا فحسب، بل يبلغ نصيب فنلندا من المزارع العضوية ضعف المتوسط الأوروبيّ منها.
وتحتوي كل المزارع تقريبًا على مساحة من الغابات بالإضافة إلى الحقول. كما يتميز الريف بمناظر خلابة وكأنها نسيج تتداخل فيه الغابات مع الحقول، وتتخلله البحيرات.
وبما أن التربة والظروف الطبيعية ليست جيدة بوجه عامّ، فقد أنشئت المزارع في أفضل المناطق المناسبة لذلك، ومن ثَمَّ فليست مساحاتها كبيرة. هذا، وتقع أكبر مساحة بها مزارع مفتوحة في جنوب غرب فنلندا.
ولا تزال تربية الحيوانات والطيور الفنلندية التقليدية قائمة، غير أن معظم الأنواع المنتجة حاليًّا مستوردة من الخارج. أما الخيول الفنلندية، فهي حيوانات أليفة، جيدة للركوب وجرّ العربات.صورة: أرتو ريبو
تُعد المزارع القائمة على الزراعة وتربية الحيوانات والطيور فحسب مشروعات عائلية صغيرة. فقد قيل إن فنلندا هي البلد التي لا تزال كل بقرة معروفة باسمها.
كما لم تنسَ الطبيعة في فنلندا أن تمهد طرقًا للمشي في المدن والبلدات. وبالرغم من أن تلك الطرق تُعدّ صغيرة بالنسبة إلى المقاييس الأوروبية، فهي تسهل الوصول إلى المساحات الخضراء. بيد أن القليل من المدن بها حدائق غنّاء كبيرة، وكافة المناطق السكنية الحضرية تقريبًا قريبة جدًا من الغابات الطبيعية التي تقطعها ممرات المشاة ومسارات الدراجات ومسارات التزلج.
كما توجد في كثير من البلدات مواقع قريبة من المسطحات المائية، تمكن سكانها من السباحة في الصيف، على مرمى حجر من وسط البلدة.
غالبًا ما توجد منازل العطلة الصيفية بالقرب من البحر أو البحيرات، أو في الجزر. حتى الأشخاص الذين لا يمتلكون منازل صيفية يستطيعون تأجير البيوت الريفية لمدة أسبوع أو أكثر.صورة: بلوجي/هيلينا بتكانن
يرى الفنلنديون أنهم شعب ما زال ملتحمًا بالطبيعة. وهذا أمر حقيقي إلى حد كبير، فحتى هؤلاء الذين يعيشون في المناطق الحضرية، يحبون أن يقضوا بعض الوقت في كنف الطبيعة، حيث المشي والتزلج، أو على الأقل قضاء الوقت في منازلهم المخصصة للعطلة خارج المدينة.
ويُعدّ الذهاب إلى منازل العطلة تقليدًا فنلنديًّا أصيلاً، إذ يوجد حوالي نصف مليون منزل صيفي للعطلة للسكان الذين يزيد عددهم قليلاً عن 5 ملايين نسمة. وتختلف منازل العطلة هذه اختلافًا كبيرًا عن بعضها البعض من حيث المساحة والمرافق المتوفرة بها. فنجد منازل العطلة القديمة صغيرة وبسيطة، أما البيوت الريفية المبنية حديثًا فهي منازل بديلة بالفعل تتوفر فيها كافة وسائل الراحة الحديثة. هذا، ولا يخلو ما يقرب من نصف منازل العطلة من السكان شتاءً.
وفي سنوات الخير، يتم جمع ما يقرب من 50 مليون كيلوجرام من التوت البريّ من الغابات – أي حوالي 10 كيلوجرامات لكل شخص. وبالطبع توجد أنواع عدة من التوت في الغابات الفنلندية. كما ينتشر جمع الفطر على نطاق واسع.صورة: مجلس السياحة الفنلنديّ FTB
يسمح حق التجول في الأرض في فنلندا للجميع بالإقامة في مخيمات مؤقتة في الأماكن المفتوحة الرائعة المخصصة لذلك. أما إذا أراد أي شخص أن يمكث في خيمة لفترة أطول، أو أن يشعل النار، فيلزم أن يحصل أولاً على موافقة مالك الأرض.صورة: مجلس السياحة الفنلنديّFTB /بيكا لاكولا
تُمكِّن حقوق الاستخدام الحُر للأراضي في فنلندا أي شخص – بما في ذلك الزوار الأجانب – من التجول بحرية في الغابات والمناطق الطبيعية الأخرى، سيرًا على الأقدام أو باستخدام الزلاجات، وبجمع التوت البريّ والفطر، بغض النظر عن ملكية الأراضي. بيد أن حقوق صيد الحيوانات والأسماك بالشباك والطُعم مقصورة على ملاك الأراضي أو المسطحات المائية.
وتُعد الحدائق العامة، التي يبلغ عددها 37 حديقة، وشبكات الماسارات الممتدة فيها، مشهورة للغاية بالنسبة إلى المتنزهين. معظم تلك الحدائق صغيرة، أقل من 100 كيلومتر مربع، والهدف الأساسي من وجودها هو حماية الطبيعة والتنوع الحيوي.
وبالإضافة إلى هذه الحدائق العامة، توجد في فنلندا أنواع عدة من المحميات، بما في ذلك براري لابلاند والمناطق المستنقعات المحمية. وقد أنشئت أول محمية طبيعية عام 1916 في التلال العالية في الجانب الشماليّ الغربيّ في لابلاند.
تدين بجعة ووبر، الطائر الوطني في فنلندا، بالفضل في بقائها للقائمين على حماية البيئة والمحافظة عليها، فقد ازداد عددها من 15 زوجًا فقط خلال خمسينيات القرن العشرين إلى أكثر من 5000 زوج حاليًّا. وهكذا أصبحنا نرى تلك البجعة الجميلة كثيرًاعند بحيرات فنلندا.صورة: بلوجي/بنتي سورمونن
هذا ولم تعد الحيوانات إلى فنلندا إلا بعد تراجع اللوح الجليديّ القاريّ من فينوسكنديا في نهاية العصر الجليديّ الأخير، أي منذ حوالي 10،000 عامٍ مضى، كما ساعدها على ذلك فترة تميزت بمناخ دافئ، والتي استمرت لعدة آلاف من السنين.
وإذ استراحت الأرض من اللوح الجليديّ الضخم، بدأت الأرض في الظهور تدريجيًا، لتفتح وتغلق مسارات مائية طبيعية. وعندما انفصلت بحيرة سيما الكبيرة – في جنوب شرق فنلندا – عن بحر البلطيق، بقيت فيها أسماك السلمون والفقمة الحلقية، والتي لا تزال موجودة هناك حتى الآن.
كما تشتمل الحياة البرية الفنلندية على الحيوانات القطبية، وأنواع الكائنات التي تعيش في غابات التايغا الصنوبرية. بالإضافة إلى ذلك، تُعدّ الجبال التي تقع في أقصى الشمال مأوى للثعلب القطبيّ المهدد بالانقراض، والذي من الممكن أن يختفي تمامًا من فنلندا إذا أصبح المناخ أكثر دفئًا. وثمة كائن آخر غريب ونادر الوجود يسكن منطقة لابلاند الفنلندية، وهو البومة الثلجية ناصعة البياض.
غير أن فنلندا مليئة بالبوم، إذ توجد هنا 10 أنواع من البوم، منها البومة الرمادي الكبير، والبوم الأقزم.
هناك أيضًا حيوان آخر غريب، وهو السنجاب الطائر الذي يسكن معظم الأنحاء الجنوبية في فنلندا، أينما يجد غابة مختلطة غير متقطعة.
كما يُعد الظبي من أجمل الكائنات من ذوات الأربع التي تقطن فنلندا. فيمكنك أن ترَى الظباء في أي مكان في فنلندا، وهي تنمو بصورة مذهلة، حتى إنه بسبب ندرة الحيوانات التي يمكن أن تفترس الظباء، يلجأ الفنلنديون إلى صيدها للتحكم في أعدادها.
تتجول الدببة في جميع أرجاء فنلندا، لكنها منتشرة أكثر على الحدود الشرقية، لذا تنظم العديد من الشركات المحلية رحلات لمشاهدة الدببة في تلك المنطقة.صورة: بلوجي/يورما لسكيلا
تعيش الحيوانات آكلة اللحوم في فنلندا، حيث تكثر البراري وتتوفر الفرائس. كما تُعد فنلندا موطنًا للثدييات المفترسة الأربع الأولى في أوروبا، وهي الدب البنيّ والذئب والوشق والولفيرين.
بيد أن الحيوانات المفترسة في فنلندا لم تكن دائمًا في أحسن حال. فقد كانت تتعرض للملاحقة هنا، كما هو الحال في بلاد عدة، وبخاصة خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وقد قل اضطهاد تلك الحيوانات منذ ذلك الحين، غير أن الصراعات تنشب بين الحين والآخر، وبخاصة في لابلاند، حيث غالبًا ما تقتل الحيوانات المفترسة الرنة. ويشتهر الولفيرين بصفة خاصة بسمعته السيئة في هذا الشأن.
غير أن النسور الذهبية وغيرها من الطيور الجارحة لم تعد تتعرض للملاحقة في فنلندا. ويرجع تغيير الموقف هنا بصورة جزئية إلى أن رعاة الرنة تدفع لهم تعويضات حاليًا، تُقَدر بناءً على عدد النسور التي تعيش في كل منطقة رعي.صورة: بلوجي/لاسي كويالا
يُعد الولفيرين من أكثر الحيوانات آكلة اللحوم الأوروبية ندرة. يتكيف الولفيرين بدرجة كبيرة مع مناخ المناطق الشمالية، كما يستطيع أن يتحرك بسهولة حتى في المناطق التي يوجد فيها الثلج بكثافة كبيرة.صورة: بلوجي/تيمو سالورانتا
يعيش الوشق في فنلندا حاليًّا أكثر من أي وقت مضى خلال المائة عام الأخيرة. ويمكن رؤيته في الضواحي التي تقع على أطراف مدينة هلسنكي.صورة: مجلس السياحة الفنلنديّ FTB
خلال العقود الأخيرة، تم استرجاع الحيوانات آكلة اللحوم الكبيرة، حتى أصبحت أعدادها معقولة ومستقرة حاليًّا. هذا، وتُعدّ فنلندا موطنًا لأكثر من 1600 دب، وحوالي 150 – 160 ذئبًا، وحوالي 2500 وشق، وحوالي 150 – 170 ولفيرينًا.
غير أنه ليس من المتوقع أن يرى أي شخص يمشي في الغابات تلك الحيوانات، إذ تخشى هذه الأنواع الأربعة من الحيوانات البشر، وتتجنبنا بقدر الإمكان. لذا، فأفضل طريقة تُمَكِّنك من رؤيتها هي الذهاب في رحلة استرشادية لمشاهدة الحياة البرية. وأثناء تلك الرحلات، يقضي المتنزهون عادة ليلة في مخابئ بدائية في الغابة.
كما أصبحت كثير من الطيور الجارحة منتشرة في العصور الحديثة. فقد ارتفع عدد النسور ذات الذيل الأبيض، على سبيل المثال، منذ سبعينيات القرن العشرين، إلى ما يقرب من 1000. وتحتل تلك الطيور الملوكية حوالي 300 منطقة مخصصة لها حول فنلندا.
بقلم: إيفا-ليسا هالانارو، حاصلة على ماجستير العلوم، وخبيرة في الشؤون البيئية
تم النشر في يوليو 2011